الجملة بيان لشدة الأمر وتعاظمه وقرأ ابن محيصن والبزي " سحاب ظلمات " بإضافة سحاب إلى ظلمات، ووجه الإضافة أن السحاب يرتفع وقت هذه الظلمات، فأضيف إليها لهذه الملابسة. وقرأ الباقون بالقطع والتنوين.
ومن غرائب التفاسير أنه سبحانه أراد بالظلمات: أعمال الكافر، وبالبحر اللجي: قلبه، وبالموج فوق الموج: ما يغشى قلبه من الجهل والشك والحيرة. والسحاب الرين والختم والطبع على قلبه، وهذا تفسير هو عن لغة العرب بمكان بعيد. ثم بالغ سبحانه في هذه الظلمات المذكورة بقوله (إذا أخرج يده لم يكد يراها) وفاعل أخرج ضمير يعود على مقدر دل عليه المقام: اي إذا أخرج الحاضر في هذه الظلمات أو من ابتلى بها. قال الزجاج وأبو عبيدة: المعنى لم يرها ولم يكد. وقال الفراء: إن كاد زائدة. والمعنى: إذا أخرج يده لم يرها، كما تقول ما كدت أعرفه. وقال المبرد: يعني لم يرها إلا من بعد الجهد. قال النحاس، أصح الأقوال في هذا أن المعنى لم يقارب رؤيتها، فإذن لم يرها رؤية بعيدة ولا قريبة، وجملة (ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور) مقررة لما قبلها من كون أعمال الكفرة على تلك الصفة، والمعنى: ومن لم يجعل الله له هداية فما له من هداية. قال الزجاج:
ذلك في الدنيا، والمعنى: من لم يهده الله لم يهتد، وقيل المعنى من لم يجعل له نورا يمشى به يوم القيامة فما له من نور يهتدي به إلى الجنة (ألم تر أن الله يسبح له من في السماوات والأرض) قد تقدم تفسير مثل هذه الآية في سورة سبحان، والخطاب لكل من له أهلية النظر، أو للرسول صلى الله عليه وآله وسلم، وقد علمه من جهة الاستدلال، ومعنى (ألم تر) ألم تعلم، والهمزة للتقرير: أي قد علمت علما يقينيا شبيها بالمشاهدة، والتسبيح التنزيه في ذاته وأفعاله وصفاته عن كل ما لا يليق به، ومعنى (من في السماوات والأرض) من هو مستقر فيهما من العقلاء وغيرهم، وتسبيح غير العقلاء ما يسمع من أصواتها ويشاهد من أثر الصنعة البديعة فيها. وقيل إن التسبيح هنا هو الصلاة من العقلاء والتنزيه من غيرهم. وقد قيل إن هذه الآية تشمل الحيوانات والجمادات، وأن آثار الصنعة الإلهية في الجمادات ناطق ومخبر باتصافه سبحانه بصفات الجلال والكمال وتنزهه عن صفات النقص، وفي ذلك تقريع للكفار وتوبيخ لهم حيث جعلوا الجمادات التي من شأنها التسبيح لله سبحانه شركاء له يعبدونها كعبادته عز وجل. وبالجملة فإنه ينبغي حمل التسبيح على ما يليق بكل نوع من أنواع المخلوقات على طريقة عموم المجاز. قرأ الجمهور (والطير صافات) بالرفع للطير والنصب لصافات على أن الطير معطوفة على من، وصافات منتصب على الحال. وقرأ الأعرج " والطير " بالنصب على المفعول معه، وصافات حال أيضا. قال الزجاج: وهي أجود من الرفع. وقرأ الحسن وخارجة عن نافع " والطير صافات " برفعهما على الابتداء والخبر، ومفعول صافات محذوف: أي أجنحتها، وخص الطير بالذكر مع دخولها تحت من في السماوات والأرض لعدم استمرار استقرارها في الأرض وكثرة لبثها في الهواء وهو ليس من السماء ولا من الأرض، ولما فيها من الصنعة البديعة التي تقدر بها تارة على الطيران، وتارة على المشي بخلاف غيرها من الحيوانات، وذكر حالة من حالات الطير، وهي كون صدور التسبيح منها حال كونها صافات لأجنحتها، لأن هذه الحالة هي أغرب أحوالها، فإن استقرارها في الهواء مسبحة من دون تحريك لأجنحتها ولا استقرار على الأرض من أعظم صنع الله الذي أتقن كل شئ. ثم زاد في البيان فقال (كل قد علم صلاته وتسبيحه) أي كل واحد مما ذكر، والضمير في علم يرجع إلى كل، والمعنى:
أن كل واحد من هذه المسبحات لله قد علم صلاة المصلى وتسبيح المسبح. وقيل المعنى: أن كل مصل ومسبح قد علم صلاة نفسه وتسبيح نفسه. قيل والصلاة هنا بمعنى التسبيح، وكرر للتأكيد، والصلاة قد تسمى تسبيحا.
وقيل المراد بالصلاة هنا الدعاء: أي كل واحد قد علم دعاءه وتسبيحه. وفائدة الإخبار بأن كل واحد قد علم