شفاف يظهر فيه النور أكمل ظهور. ثم وصف الزجاجة فقال (الزجاجة كأنها كوكب دري) أي منسوب إلى الدر لكون فيه من الصفاء والحسن ما يشابه الدر. وقال الضحاك: الكوكب الدري الزهرة. قرأ أبو عمرو " دري " بكسر الدال. قال أبو عمرو: لم أسمع أعرابيا يقول: إلا كأنه كوكب دري بكسر الدال، أخذوه من درأت النجوم تدرأ إذا اندفعت. وقرأ حمزة بضم الدال مهموزا، وأنكره الفراء والزجاج والمبرد. وقال أبو عبيد: إن ضممت الدال وجب أن لا تهمز، لأنه ليس في كلام العرب. والدراري هي المشهورة من الكواكب كالمشتري والزهرة والمريخ وما يضاهيها من الثوابت. ثم وصف المصباح بقوله (يوقد من شجرة مباركة) ومن هذه هي الابتدائية: أي ابتداء إيقاد المصباح منها، وقيل هو على تقدير مضاف: أي يوقد من زيت شجرة مباركة، والمباركة الكثيرة المنافع. وقيل المنماة، والزيتون من أعظم الثمار نماء، ومنه قول أبي طالب يرثى مسافر بن أبي عمرو ابن أمية بن عبد شمس:
ليث شعري مسافر بن أبي عمرو * وليت يقولها المحزون بورك الميت الغريب كما * بورك نبع الرمان والزيتون قيل ومن بركتها أن أغصانها تورق من أسفلها إلى أعلاها، وهي إدام ودهان ودباغ ووقود، وليس فيها شئ إلا وفيه منفعة، ثم وصفها بأنها (لا شرقية ولا غربية).
وقد اختلف المفسرون في معنى هذا الوصف، فقال عكرمة وقتادة وغيرهم: إن الشرقية هي التي تصيبها الشمس إذا شرقت، ولا تصيبها إذا غربت. والغربية هي التي تصيبها إذا غربت، ولا تصيبها إذا شرقت. وهذه الزيتونة هي في صحراء بحيث لا يسترها عن الشمس شئ لا في حال شروقها ولا في حال غروبها، وما كانت من الزيتون هكذا فثمرها أجود. وقيل إن المعنى: إنها شجرة في دوحة قد أحاطت بها، فهي غير منكشفة من جهة الشرق، ولا من جهة الغرب، حكى هذا ابن جرير عن ابن عباس. قال ابن عطية: وهذا لا يصح عن ابن عباس، لأن الثمرة التي بهذه الصفة يفسد جناها، وذلك مشاهد في الوجود. ورجح القول الأول الفراء والزجاج.
وقال الحسن: ليست هذه الشجرة من شجر الدنيا، وإنما هو مثل ضربه الله لنوره ولو كانت في الدنيا لكانت إما شرقية وإما غربية. قال الثعلبي: قد أفصح القرآن بأنها من شجر الدنيا، لأن قوله زيتونة بدل من قوله شجرة.
قال ابن زيد: إنها من شجر الشام، فإن الشام لا شرقي ولا غربي، والشام هي الأرض المباركة. وقد قرئ " توقد " بالتاء الفوقية على أن الضمير راجع إلى الزجاجة دون المصباح، وبها قرأ الكوفيون. وقرأ شيبة ونافع وأيوب وسلام وابن عامر وأهل الشام وحفص (يوقد) بالتحتية مضمومة وتخفيف القاف وضم الدال. وقرأ الحسن والسلمي وأبو عمرو بن العلاء وأبو جعفر (توقد) بالفوقية مفتوحة وفتح الواو وتشديد القاف وفتح الدال على أنه فعل ماض من توقد يتوقد، والضمير في هاتين القراءتين راجع إلى المصباح. قال النحاس: وهاتان القراءتان متقاربتان لأنهما جمعا للمصباح، وهو أشبه بهذا الوصف لأنه الذي ينير ويضيء، وإنما الزجاجة وعاء له. وقرأ نصر بن عاصم كقراءة أبي عمرو ومن معه إلا أنه ضم الدال على أنه فعل مضارع، وأصله تتوقد. ثم وصف الزيتونة بوصف آخر فقال (يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار) قرأ الجمهور " تمسسه " بالفوقية، لأن النار مؤنثة. قال أبو عبيد: إنه لا يعرف إلا هذه القراءة. وحكى أبو حاتم أن السدي روى عن أبي مالك عن ابن عباس أنه قرأ (يمسسه) بالتحتية لكون تأنيث النار غير حقيقي. والمعنى: أن هذا الزيت في صفاته وإنارته يكاد