المتخاصمين للآخر. والمعنى: أنه ينبغي للمؤمنين أن يكونوا هكذا بحيث إذا سمعوا الدعاء المذكور قابلوه بالطاعة والإذعان. قال مقاتل وغيره: يقولون سمعنا قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأطعنا أمره، وإن كان ذلك فيما يكرهونه ويضرهم، ثم أثنى سبحانه عليهم بقوله (وأولئك) أي المؤمنون الذين قالوا هذا القول (هم المفلحون) أي الفائزون بخير الدنيا والآخرة، ثم أردف الثناء عليهم بثناء آخر فقال (ومن يطع الله ورسوله ويخش الله ويتقه فأولئك هم الفائزون) وهذه الجملة مقررة لما قبلها من حسن حال المؤمنين وترغيب من عداهم إلى الدخول في عدادهم والمتابعة في طاعة الله ورسوله والخشية من الله عز وجل والتقوى له. قرأ حفص " ويتقه " بإسكان القاف على نية الجزم. وقرأ الباقون بكسرها، لأن جزم هذا الفعل بحذف آخره، وأسكن الهاء أبو عمرو وأبو بكر واختلس الكسرة يعقوب وقالون عن نافع والمثنى عن أبي عمرو وحفص وأشبع كسرة الهاء الباقون. قال ابن الأنباري: وقراءة حفص هي على لغة من قال: لم أر زيدا، ولم أشتر طعاما يسقطون الياء للجزم ثم يسكنون الحرف الذي قبلها، ومنه قول الشاعر: * قالت سليمى اشتر لنا دقيقا * وقول الاخر:
عجبت لمولود وليس له أب * وذي ولد لم يلده أبوان وأصله يلد بكسر اللام وسكون الدال للجزم، فلما سكن اللام التقى ساكنان، فلو حرك الأول لرجع إلى ما وقع الفرار منه، فحرك ثانيهما وهو الدال. ويمكن أن يقال إنه حرك الأول على أصل التقاء الساكنين وبقى السكون على الدال لبيان ما عليه أهل هذه اللغة ولا يضر الرجوع إلى ما وقع الفرار منه، فهذه الحركة غير تلك الحركة والإشارة بقوله: فأولئك هم الفائزون إلى الموصوفين بما ذكر من الطاعة والخشية والتقوى أي هم الفائزون بالنعيم الدنيوي والأخروي لا من عداهم. ثم حكى سبحانه عن المنافقين أنهم لما كرهوا حكمه أقسموا بأنه لو أمرهم بالخروج إلى الغزو لخرجوا فقال (وأقسموا بالله جهد أيمانهم لئن أمرتهم ليخرجن) أي لئن أمرتهم بالخروج إلى الجهاد ليخرجن، وجهد أيمانهم منتصب على أنه مصدر مؤكد للفعل المحذوف الناصب له: أي أقسموا بالله يجهدون أيمانهم جهدا. ومعنى جهد أيمانهم: طاقة ما قدروا أن يحلفوا، مأخوذ من قولهم جهد نفسه: إذا بلغ طاقتها وأقصى وسعها. وقيل هو منتصب على الحال والتقدير: مجتهدين في أيمانهم، كقولهم افعل ذلك جهدك وطاقتك، وقد خلط الزمخشري الوجهين فجعلهما واحدا. وجواب القسم قوله " ليخرجن " ولما كانت مقالتهم هذه كاذبة وأيمانهم فاجرة رد الله عليهم، فقال (قل لا تقسموا) أي رد عليهم زاجرا لهم، وقل لهم لا تقسموا:
أي لا تحلفوا على ما تزعمونه من الطاعة والخروج إلى الجهاد إن أمرتم به، وهاهنا تم الكلام. ثم ابتدأ فقال (طاعة معروفة) وارتفاع طاعة على أنها خبر مبتدأ محذوف: أي طاعتهم طاعة معروفة بأنها طاعة نفاقية لم تكن عن اعتقاد ويجوز أن تكون طاعة مبتدأ، لأنها قد خصصت بالصفة، ويكون الخبر مقدرا: أي طاعة معروفة أولى بكم من أيمانكم، ويجوز أن ترتفع بفعل محذوف: أي لتكن منكم طاعة أو لتوجد، وفي هذا ضعف لأن الفعل لا يحذف إلا إذا تقدم ما يشعر به. وقرأ زيد بن علي والترمذي طاعة بالنصب على المصدر لفعل محذوف: أي أطيعوا طاعة (ان الله خبير بما تعملون) من الأعمال وما تضمرونه من المخالفة لما تنطق به ألسنتكم، وهذه الجملة تعليل لما قبلها من كون طاعتهم طاعة نفاق. ثم أمر الله سبحانه نبيه صلى الله عليه وآله وسلم أن يأمرهم بطاعة الله ورسوله فقال (قل أطيعوا الله وأطيعوا الرسول) طاعة ظاهرة وباطنة بخلوص اعتقاد وصحة نية، وهذا التكرير منه تعالى لتأكيد وجوب الطاعة عليهم، فإن قوله (قل لا تقسموا طاعة معروفة) في حكم الأمر بالطاعة، وقيل إنهما مختلفان، فالأول نهي بطريق الرد والتوبيخ، والثاني أمر بطريق التكليف لهم والإيجاب عليهم (فإن تولوا)