أو آباء بعولتهن) إلى قوله (أو بني أخواتهن) فجوز للنساء أن يبدين الزينة لهؤلاء لكثرة المخالطة وعدم خشية الفتنة لما في الطباع من النفرة عن القرائب. وقد روي عن الحسن والحسين رضي الله عنهما أنهما كانا لا ينظران إلى أمهات المؤمنين ذهابا منهما إلى أن أبناء البعولة لم يذكروا في الآية التي في أزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهي قوله (لا جناح عليهن في آبائهن) والمراد بأبناء بعولتهن ذكور أولاد الأزواج، ويدخل في قوله (أو أبنائهن) أولاد الأولاد وإن سفلوا وأولاد بناتهن وإن سفلوا، وكذا آباء البعولة وآباء الآباء وآباء الأمهات وإن علوا، وكذلك أبناء البعولة وإن سفلوا، وكذلك أبناء الإخوة والأخوات. وذهب الجمهور إلى أن العم والخال كسائر المحارم في جواز النظر إلى ما يجوز لهم، وليس في الآية ذكر الرضاع، وهو كالنسب. وقال الشعبي وعكرمة:
ليس العم والخال من المحارم، ومعنى (أو نسائهن) هن المختصات بهن الملابسات لهن بالخدمة أو الصحبة، ويدخل في ذلك الإماء، ويخرج من ذلك نساء الكفار من أهل الذمة وغيرهم، فلا يحل لهن أن يبدين زينتهن لهن لأنهن لا يتحرجن عن وصفهن للرجال. وفي هذه المسألة خلاف بين أهل العلم، وإضافة النساء إليهن تدل على اختصاص ذلك بالمؤمنات (أو ما ملكت أيمانهن) ظاهر الآية يشمل العبيد والإماء من غير فرق بين أن يكونوا مسلمين أو كافرين، وبه قال جماعة من أهل العلم، وإليه ذهبت عائشة وأم سلمة وابن عباس ومالك. وقال سعيد بن المسيب: لا تغرنكم هذه الآية (أو ما ملكت أيمانهن) إنما عني بها الإماء ولم يعن بها العبيد. وكان الشعبي يكره أن ينظر المملوك إلى شعر مولاته، وهو قول عطاء ومجاهد والحسن وابن سيرين، وروى عن ابن مسعود، وبه قال أبو حنيفة وابن جريج (أو التابعين غير أولى الإربة من الرجال) قرأ الجمهور غير بالجر. وقرأ أبو بكر وابن عامر بالنصب على الاستثناء، وقيل على القطع، والمراد بالتابعين هم الذين يتبعون القوم فيصيبون من طعامهم لا همة لهم إلا ذلك ولا حاجة لهم في النساء قاله مجاهد وعكرمة والشعبي، ومن الرجال في محل نصب على الحال.
وأصل الإربة والأرب والمأربة الحاجة والجمع مآرب: أي حوائج، ومنه قوله سبحانه - فيها مآرب أخرى - ومنه قول طرفة:
إذا المرء قال الجهل والحوب والخنا * تقدم يوما ثم ضاعت مآربه وقيل المراد بغير أولى الأربة من الرجال الحمقى الذين لا حاجة لهم في النساء، وقيل البله، وقيل العنين، وقيل الخصي، وقيل المخنث، وقيل الشيخ الكبير، ولا وجه لهذا التخصيص، بل المراد بالآية ظاهرها وهم من يتبع أهل البيت، ولا حاجة له في النساء، ولا يحصل منه ذلك في حال من الأحوال، فيدخل من هؤلاء من هو بهذه الصفة ويخرج من عداه (أو الطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء) الطفل يطلق على المفرد والمثنى والمجموع، أو المراد به هنا الجنس الموضوع موضع الجمع بدلالة وصفة بوصف الجمع، وفي مصحف أبي " أو الأطفال " على الجمع، يقال للإنسان طفل ما لم يراهق الحلم، ومعنى لم يظهروا: لم يطلعوا، من الظهور بمعنى الاطلاع، قاله ابن قتيبة. وقيل معناه: لم يبلغوا حد الشهوة، قاله الفراء والزجاج، يقال ظهرت على كذا: إذا غلبته وقهرته.
والمعنى: لم يطلعوا على عورات النساء ويكشفوا عنها للجماع، أو لم يبلغوا حد الشهوة للجماع. قراءة الجمهور " عورات " بسكون الواو تخفيفا، وهي لغة جمهور العرب. وقرأ ابن عامر في رواية بفتحها. وقرأ بذلك ابن أبي إسحاق والأعمش. ورويت هذه القراءة عن ابن عباس، وهي لغة هذيل بن مدركة، ومنه قول الشاعر الذي أنشده الفراء:
أخو بيضات رائح متأوب * رفيق لمسح المنكبين سبوح