واختلف العلماء في وجوب ستر ما عدا الوجه والكفين من الأطفال، فقيل لا يلزم لأنه لا تكليف عليه وهو الصحيح، وقيل يلزم لأنها قد تشتهي المرأة. وهكذا اختلف في عورة الشيخ الكبير الذي قد سقطت شهوته، والأولى بقاء الحرمة كما كانت، فلا يحل النظر إلى عورته ولا يحل له أن يكشفها.
وقد اختلف العلماء في حد العورة. قال القرطبي: أجمع المسلمون على أن السوءتين عورة من الرجل والمرأة، وأن المرأة كلها عورة إلا وجهها ويديها على خلاف في ذلك. وقال الأكثر: إن عورة الرجل من سرته إلى ركبته (ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن) أي لا تضرب المرأة برجلها إذا مشت ليسمع صوت خلخالها من يسمعه من الرجال فيعلمون أنها ذات خلخال. قال الزجاج: وسماع هذه الزينة أشد تحريكا للشهوة من إبدائها.
ثم أرشد عباده إلى التوبة عن المعاصي فقال سبحانه (وتوبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنون) فيه الأمر بالتوبة، ولا خلاف بين المسلمين في وجوبها وأنها فرض من فرائض الدين. وقد تقدم الكلام على التوبة في سورة النساء. ثم ذكر ما يرغبهم في التوبة، فقال (لعلكم تفلحون) أي تفوزون بسعادة الدنيا والآخرة، وقيل إن المراد بالتوبة هنا هي عما كانوا يعملونه في الجاهلية، والأول أولى لما تقرر في السنة أن الإسلام بحب ما قبله.
وقد أخرج ابن مردويه عن علي بن أبي طالب قال: مر رجل على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في طريق من طرقات المدينة، فنظر إلى امرأة ونظرت إليه، فوسوس لهما الشيطان أنه لم ينظر أحدهما إلى الآخر إلا إعجابا به، فبينما الرجل يمشي إلى جنب حائط وهو ينظر إليها، إذ استقبله الحائط فشق أنفه، فقال: والله لا أغسل الدم حتى آتي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأعلمه أمري، فأتاه فقص عليه قصته، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: هذا عقوبة ذنبك، وأنزل الله (قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم) الآية. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس (قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم) قال: يعنى من شهواتهم مما يكره الله. وأخرج ابن أبي شيبة وأبو داود والترمذي والبيهقي في سننه عن بريدة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " لا تتبع النظرة النظرة، فإن الأولى لك وليست لك الأخرى " وفي مسلم وأبي داود والترمذي والنسائي عن جرير البجلي قال " سألت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن نظرة الفجأة، فأمرني أن أصرف بصري " وفي الصحيحين وغيرهما من حديث أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " إياكم والجلوس على الطرقات، قالوا: يا رسول الله ما لنا بد من مجالسنا نتحدث فيها، فقال: إن أبيتم فأعطوا الطريق حقه، قالوا: وما حقه يا رسول الله؟ قال: غض البصر، وكف الأذى، ورد السلام والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر ". وأخرج البخاري وأهل السنن وغيرهم عن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده قال " قلت:
يا رسول الله عوراتنا ما نأتي منها وما نذر؟ قال: احفظ عورتك إلا من زوجتك، أو ما ملكت يمينك، قلت: يا نبي الله إذا كان القوم بعضهم في بعض، قال: إن استطعت أن لا يراها أحد فلا يرينها، قلت إذا كان أحدنا خاليا، قال: فالله أحق أن يستحيا منه من الناس " وفي الصحيحين وغيرهما من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " كتب الله على ابن آدم حظه من الزنا أدرك ذلك لا محاله، فزنا العين النظر، وزنا اللسان النطق، وزنا الأذنين السماع، وزنا اليدين البطش، وزنا الرجلين الخطو، والنفس تتمنى، والفرج يصدق ذلك أو يكذبه ". وأخرج الحاكم وصححه عن حذيفة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " النظرة سهم من سهام إبليس مسمومة، فمن تركها من خوف الله أثابه الله إيمانا يجد حلاوته في قلبه " والأحاديث في هذا الباب كثيرة. وأخرج ابن أبي حاتم عن مقاتل قال: بلغنا والله أعلم أن جابر بن عبد الله الأنصاري حدث أن أسماء بنت يزيد كانت في نخل لها لبني حارثة، فجعل النساء يدخلن عليها غير متزرات فيبدو ما في أرجلهن، يعنى الخلاخل،