والخطاب في الآية للأولياء، وقيل للأزواج، والأول أرجح، وفيه دليل على أن المرأة لا تنكح نفسها، وقد خالف في ذلك أبو حنيفة.
واختلف أهل العلم في النكاح هل مباح، أو مستحب، أو واجب؟ فذهب إلى الأول الشافعي وغيره، وإلى الثاني مالك وأبو حنيفة، وإلى الثالث بعض أهل العلم على تفصيل لهم في ذلك، فقالوا: إن خشي على نفسه الوقوع في المعصية وجب عليه وإلا فلا. والظاهر أن القائلين بالإباحة والاستحباب لا يخالفون في الوجوب مع تلك الخشية، وبالجملة فهو مع عدمها سنة من السنن المؤكدة لقوله صلى الله عليه وآله وسلم في الحديث الصحيح بعد ترغيبه في النكاح " ومن رغب عن سنتي فليس مني " ولكن مع القدرة عليه، وعلى مؤنه كما سيأتي قريبا، والمراد بالأيامي هنا الأحرار والحرائر، وأما المماليك فقد بين ذلك بقوله (والصالحين من عبادكم وإمائكم) قرأ الجمهور " عبادكم " وقرأ الحسن " عبيدكم " قال الفراء: ويجوز وإماءكم بالنصب برده على الصالحين، والصلاح هو الإيمان. وذكر سبحانه الصلاح في المماليك دون الأحرار لأن الغالب في الأحرار الصلاح بخلاف المماليك، وفيه دليل على أن المملوك لا يزوج نفسه، وإنما يزوجه مالكه. وقد ذهب الجمهور إلى أنه يجوز للسيد أن يكره عبده وأمته على النكاح. وقال مالك: لا يجوز. ثم رجع سبحانه إلى الكلام في الأحرار فقال (إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله) أي لا تمتنعوا من تزويج الأحرار بسبب فقر الرجل والمرأة أو أحدهما، فإنهم إن يكونوا فقراء يغنهم الله سبحانه ويتفضل عليهم بذلك. قال الزجاج: حث الله على النكاح وأعلم أنه سبب لنفي الفقر، ولا يلزم أن يكون هذا حاصلا لكل فقير إذا تزوج فإن ذلك مقيد بالمشيئة. وقد يوجد في الخارج كثير من الفقراء لا يحصل لهم الغنى إذا تزوجوا. وقيل المعنى: إنه يغني يغنى النفس، وقيل المعنى: إن يكونوا فقراء إلى النكاح يغنهم الله من فضله بالحلال ليتعففوا عن الزنا. والوجه الأول أولى، ويدل عليه قوله سبحانه - وإن خفتم عيلة فسوف يغنيكم الله من فضله إن شاء - فيحمل المطلق هنا على المقيد هناك، وجملة (والله واسع عليم) مؤكدة لما قبلها ومقررة لها، والمراد أنه سبحانه ذو سعة لا ينقص من سعة ملكه غني من يغنيه من عباده عليم بمصالح خلقه، يغني من يشاء ويفقر من يشاء. ثم ذكر سبحانه حال العاجزين عن النكاح بعد بيان جواز مناكحتهم إرشادا لهم إلى ما هو الأولى فقال (وليستعفف الذين لا يجدون نكاحا) استعف طلب أن يكون عفيفا: أي ليطلب العفة عن الزنا والحرام من لا يجد نكاحا: أي سبب نكاح، وهو المال. وقيل النكاح هنا ما تنكح به المرأة من المهر والنفقة كاللحاف اسم لما يلتحف به، واللباس اسم لما يلبس، وقيد سبحانه هذا النهي بتلك الغاية، وهي (حتى يغنيهم الله من فضله) أي يرزقهم رزقا يستغنون به ويتمكنون بسببه من النكاح، وفي هذه الآية ما يدل على تقييد، الجملة الأولى: وهي إن يكونوا فقراء يغنهم الله بالمشيئة كما ذكرنا، فإنه لو كان وعدا حتما لا محالة في حصوله لكان الغنى والزواج متلازمين، وحينئذ لا يكون للأمر بالاستعفاف مع الفقر كثير فائدة، فإنه سيغني عند تزوجه لا محالة، فيكون في تزوجه مع فقره تحصيل للغنى، إلا أن يقال: إن هذا الأمر بالاستعفاف للعاجز عن تحصيل مبادئ النكاح، ولا ينافي ذلك وقوع الغنى له من بعد أن ينكح، فإنه قد صدق عليه أنه لم يجد نكاحا إذا كان غير واجد لأسبابه التي يتحصل بها، وأعظمها المال. ثم لما رغب سبحانه في تزويج الصالحين من العبيد والإماء، أرشد المالكين إلى طريقة يصير بها المملوك من جملة الأحرار فقال (والذين يبتغون الكتاب مما ملكت أيمانكم) الموصول في محل رفع على الابتداء، ويجوز أن يكون في محل نصب على إضمار فعل يفسره ما بعده: أي وكاتبوا الذين يبتغون الكتاب:
والكتاب مصدر كاتب كالمكاتبة، يقال: كاتب يكاتب كتابا ومكاتبة، كما يقال قاتل يقاتل قتالا ومقاتلة: