قال قتادة: ومعنى (لنت لهم) لأن جانبك، وحسن خلقك، وكثر احتمالك. قال الزجاج: والفظ: الغليظ الجانب، السئ الخلق، يقال: فظظت تفظ فظاظة وفظظا، والفظ: ماء الكرش والفرث، وإنما سمي فظا لغلظ مشربه. فأما الغليظ القلب، فقيل: هو القاسي القلب، فيكون ذكر الفظاظة والغلظ - وإن كانا بمعنى واحد - توكيدا. وقال ابن عباس: الفظ: في القول، والغليظ القلب: في الفعل.
قوله تعالى: (لانفضوا) أي: تفرقوا. وتقول: فضضت عن الكتاب ختمه: إذا فرقته عنه.
(فاعف عنهم) أي: تجاوز عن هفواتهم، وسل الله المغفرة لذنوبهم (وشاورهم في الأمر) معناه: استخرج آراءهم، واعلم ما عندهم. ويقال: إنه من: شرت العسل.
وأنشدوا:
وقاسمها بالله حقا لأنتم * ألذ من الشكوى إذا ما نشورها قال الزجاج: يقال: شاورت الرجل مشاورة وشورا، وما يكون عن ذلك اسمه المشورة.
وبعضهم يقول: المشورة. ويقال: فلان حسن الصورة والشورة، أي: حسن الهيئة واللباس. ومعنى قولهم: شاورت فلانا، أظهرت ما عنده وما عندي. وشرت الدابة: إذا امتحنتها، فعرفت هيئتها في سيرها. وشرت العسل: إذا أخذته من مواضع النحل. وعسل مشار. قال الأعشى:
كأن القرنفل والزنجبيل * باتا بفيها وأريا مشارا والأري: العسل. واختلف العلماء لأي معنى أمر الله نبيه بمشاورة أصحابه مع كونه كامل الرأي، تام التدبير، على ثلاثة أقوال:
أحدها: ليستن به من بعده، وهذا قول الحسن، وسفيان بن عيينة.
والثاني: لتطيب قلوبهم، وهو قول قتادة، والربيع، وابن إسحاق، ومقاتل. قال الشافعي رضي الله عنه: نظير هذا قوله عليه السلام: " البكر تستأمر في نفسها "، إنما أراد استطابة نفسها، فإنها لو كرهت، كان للأب أن يزوجها، وكذلك مشاورة إبراهيم عليه السلام لابنه حين أمر بذبحه.
والثالث: للإعلام ببركة المشاورة، وهو قول الضحاك. ومن فوائد المشاورة أن المشاور إذا لم ينجح أمره، علم أن امتناع النجاح محض قدر، فلم يلم نفسه، ومنها أنه قد يعزم على أمر، فيبين له الصواب في قول غيره، فيعلم عجز نفسه عن الإحاطة بفنون المصالح. قال علي عليه السلام:
الاستشارة عين الهداية، وقد خاطر من استغنى برأيه، والتدبير قبل العمل يؤمنك من الندم. وقال