فصل قال شيخنا علي بن عبيد الله: وعامة العلماء ذهبوا إلى أن قوله [تعالى]: (وأحل لكم ما وراء ذلكم) تحليل ورد بلفظ العموم، وأنه عموم دخله التخصيص، والمخصص له نهي النبي صلى الله عليه وسلم أن تنكح المرأة على عمتها، أو على خالتها. وليس هذا على سبيل النسخ. وذهب طائفة إلى أن التحليل المذكور في الآية منسوخ بهذا الحديث.
قوله تعالى: (أن تبتغوا بأموالكم) أي: تطلبوا إما بصداق في نكاح، أو ثمن في ملك (محصنين) قال ابن قتيبة: متزوجين، وقال الزجاج: عاقدين التزويج، وقال غيرهما: متعففين غير زانين. والسفاح: الزنى، قال ابن قتيبة.. أصله من سفحت القربة: إذا صببتها، فسمي الزنى سفاحا، لأن [حين يسافح] يصب النطفة، وتصب المرأة النطفة. وقال ابن فارس: السفاح: صب الماء بلا عقد، ولا نكاح، فهو كالشئ يسفح ضياعا.
قوله تعالى: (فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن) فيه قولان:
أحدهما: أنه الاستمتاع في النكاح بالمهور، قاله ابن عباس، والحسن، ومجاهد، والجمهور.
والثاني: أنه الاستمتاع إلى أجل مسمى من غير عقد نكاح. وقد روي عن ابن عباس أنه كان يفتي بجواز المتعة، ثم رجع عن ذلك وقد تكلف قوم من مفسري القراء، فقالوا: المراد بهذه الآية نكاح المتعة، ثم نسخت بما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن متعة النساء، وهذا تكلف لا يحتاج إليه، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أجاز المتعة، ثم منع منها، فكان قوله منسوخا بقوله. وأما الآية، فإنها لم تتضمن جواز المتعة. لأنه تعالى قال فيها: (أن تبتغوا بأموالكم محصنين غير مسافحين) فدل ذلك على النكاح الصحيح. قال الزجاج: ومعنى قوله [تعالى]: (فما استمعتم به منهن) فما نكحتموهن على الشريطة التي جرت، وهو قوله: (محصنين غير مسافحين) أي: عاقدين التزويج (فآتوهن أجورهن) أي: مهورهن. ومن ذهب في الآية إلى غير هذا، فقد أخطأ، وجهل اللغة.
قوله تعالى: (ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة) فيه ستة أقوال:
أحدها: أن معناه: لا جناح عليكم فيما تركته المرأة من صداقها، ووهبته لزوجها، هذا مروي عن ابن عباس، وابن زيد.
والثاني: ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من مقام، أو فرقة بعد أداء الفريضة، روي عن ابن عباس أيضا.