السماوية السابقة، حتى قيل: إن من سور الإنجيل سورة الأمثال (1)، فإذا كانت الأمثال بهذه المثابة، اتخذ الله سبحانه في توضيح حال المنافقين وتحقيرهم هذه الطريقة المثلى والدأب الأصيل، فإن فيها المجازات والاستعارات الجارية مجرى الصفات الكاشفة عن حال المنافقين، وفيها تصوير أحوالهم السيئة وإبرازها بصورة مشاهدة، ولنعم ما قيل: لضرب المثل شأن لا يخفى ونور لا يطفأ، يرفع الأستار عن وجوه الحقائق، ويميط اللثام عن وجه الدقائق، ويبرز المتخيل في معرض اليقين، ويجعل الغائب كأنه شاهد (2).
وربما تكون المعاني التي يراد تفهيمها معقولة صرفة، فالوهم ينازع العقل في إدراكها حتى يحجبها عن اللحوق بما في العقل، فبضرب المثل تبرز في معرض المحسوس، فيساعد الوهم العقل في إدراكها، وهناك تتجلى غياهب الأوهام، ويرتفع شغب الخصام.
وإن شئت قلت: إن في المثل بعد توجيه النفوس إلى حال المنافقين، تجسيم أحوالهم وتركيز شأنهم على أن لا يغفل عنه المسلمون، ولا ينساه المطلعون، فكلما رأوا نارا استوقدوها تخيلوا اليهود والمنافقين حولها، وكلما أضاءت ما حولها يرتسم في خيالهم أحوالهم، وينتقلون بأدنى ملابسة ومناسبة إلى المنافقين المضادين لهم، ويحصل في أنفسهم منهم الاشمئزاز والتنفر، فيصبح المسلم ضد النفاق والكفر، والمؤمن نقيض