وفي ذلك نوع بلاغة، كقوله تعالى: * (يصب من فوق رؤوسهم الحميم) * (1).
وفي تفسير الفخر: أنه دل على أنه عام مطبق أخذ بآفاق السماء (2).
ولا تخفى برودته وفظاعته، ومن العجيب توهمه: أن الآية بصدد نفي القول: بأن السحاب يتكون من أبخرة المياه الأرضية، قبال من يقول بذلك (3). ولعمري إنه أخبط حين تأليفه. وسيظهر بعض البحث حوله في بحوثه إن شاء الله تعالى.
والذي يظهر لي: - مضافا إلى ما أشير إليه - ما أشرنا إليه في بحوث اللغة: من أن كلمة " صيب " متخذة من الإصابة، وليست بمعنى السحاب، إلا باعتبار ما يصيبه إلى ما دونه من الأمطار وغيرها، فعلى هذا يكون القيد في محله.
هذا، مع أن كثيرا ما يقتضي حسن الأسلوب ولطف ترنم الكلام وأصواته المعتدلة أمثال هذه الإضافات، لأن الكلام بها يدخل في القلوب، ويرسخ فيها، ويوجب انقلابا روحيا. وقد عرفت أن القرآن نظرته العليا ومقصده الأعلى جلب القلوب إلى التوحيد والتفريد، من غير الالتزام ببعض هذه اللوازم، التي ربما لا تكون صحيحة في حد ذاتها، ولكنها صحيحة ولازمة بالقياس إلى تلك الفكرة الأصلية والرئيسة.