اللغة: التربص: الانتظار. والاستحواذ: الغلبة والاستيلاء، يقال حاذ الحمار أتنه: إذا استولى عليها وجمعها، وكذلك حازها. قال العجاج يصف ثورا وكلابا (يحوذهن وله حوذي) (1) وروي (يحوزهن وله حوزي). واستحوذ مما خرج عن أصله. فمن قال أحاذ يحيذ، لم يقل إلا استحاذ يستحيذ. ومن قال: أحوذ كما قيل أحوذت وأطيبت بمعنى أحذت وأطبت، فأخرجه على الأصل، قال: استحوذ.
والأحوذي الحاذ: المنكمش الخفيف في أموره.
المعنى: قد وصف الله سبحانه المنافقين والكافرين فقال (الذي يتربصون بكم) أي: ينتظرون لكم أيها المؤمنون، لأنهم كانوا يقولون سيهلك محمد صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه، فنستريح منهم، ويظهر قومنا وديننا (فإن كان لكم فتح من الله) أي: فإن اتفق لكم فتح وظفر على الأعداء (قالوا ألم نكن معكم) نجاهد عدوكم ونغزوهم معكم، فاعطونا نصيبنا من الغنيمة، فقد شهدنا القتال (وإن كان للكافرين نصيب) أي: حظ بإصابتهم من المؤمنين (قالوا) يعني المنافقين أي: قال المنافقون للكافرين (ألم نستحوذ عليكم) أي: ألم نغلب عليكم، عن السدي. ومعناه: ألم نغلبكم على رأيكم بالموالاة لكم (ونمنعكم من) الدخول في جملة (المؤمنين).
وقيل معناه: ألم نبين لكم أنا على ما أنتم عليه أي: ألم نضمكم إلى أنفسنا، ونطلعكم على أسرار محمد صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه، ونكتب إليكم بأخبارهم حتى غلبتم عليهم، فاعرفوا لنا هذا الحق عليكم، عن الحسن، وابن جريج.
(ونمنعكم من المؤمنين) أي: ندفع عنكم صولة المؤمنين بتحديثنا (2) إياهم عنكم، وكوننا عيونا لكم، حتى انصرفوا عنكم، وغلبتموهم (فالله يحكم بينكم يوم القيامة): هذا إخبار منه سبحانه عن نفسه، بأنه الذي يحكم بين الخلائق يوم القيامة، ويفصل بينهم بالحق (ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا) قيل فيه أقوال أحدها: إن المراد: لن يجعل الله لليهود على المؤمنين نصرا، ولا ظهورا، عن ابن عباس. وقيل: لن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا بالحجة، وإن جاز أن يغلبوهم بالقوة، لكن المؤمنين منصورون بالدلالة والحجة، عن السدي،