الكلام على حديث عبد الله بن عمرو بن العاص وفيه جواز الفطر من صوم التطوع كما ترجم له المصنف وهو قول الجمهور ولم يجعلوا عليه قضاء الا انه يستحب له ذلك وروى عبد الرزاق عن ابن عباس انه ضرب لذلك مثلا كمن ذهب بمال ليتصدق به ثم رجع ولم يتصدق به أو تصدق ببعضه وأمسك بعضه ومن حجتهم حديث أم هانئ انها دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم وهى صائمة فدعا بشراب فشرب ثم ناولها فشربت ثم سألته عن ذلك فقال أكنت تقضين يوما من رمضان قالت لا قال فلا بأس وفى رواية إن كان من قضاء فصومي مكانه وإن كان تطوعا فان شئت فاقضه وان شئت فلا تقضه أخرجه أحمد والترمذي والنسائي وله شاهد من حديث أبي سعيد تقدم ذكره في أول الباب وعن مالك الجواز وعدم القضاء بعذر والمنع واثبات القضاء بغير عذر وعن أبي حنيفة يلزمه القضاء مطلقا ذكره الطحاوي وغيره وشبهه بمن أفسد حج التطوع فان عليه قضاءه اتفاقا وتعقب بان الحج امتاز بأحكام لا يقاس غيره عليه فيها فمن ذلك ان الحج يؤمر مفسده بالمضي في فاسده والصيام لا يؤمر مفسده بالمضي فيه فافترقا ولأنه قياس في مقابله النص فلا يعتبر به وأغرب ابن عبد البر فنقل الاجماع على عدم وجوب القضاء عمن أفسد صومه بعذر واحتج من أوجب القضاء بما روى الترمذي والنسائي من طريق جعفر بن برقان عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت كنت أنا وحفصة صائمتين فعرض لنا طعام اشتهيناه فأكلنا منه فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فبدرتني إليه حفصة وكانت ببيت أبيها فقالت يا رسول الله فذكرت ذلك فقال اقضيا يوما آخر مكانه قال الترمذي رواه ابن أبي حفصة وصالح بن أبي الأخضر عن الزهري مثل هذا ورواه مالك ومعمر وزياد بن سعد وابن عيينة وغيرهم من الحفاظ عن الزهري عن عائشة مرسلا وهو أصح لان ابن جريج ذكر انه سأل الزهري عنه فقال لم أسمع من عروة في هذا شيئا ولكن سمعت من ناس عن بعض من سأل عائشة فذكره ثم أسنده كذلك وقال النسائي هذا خطا وقال ابن عيينة في روايته سئل الزهري عنه أهو عن عروة فقال لا وقال الخلال اتفق الثقات على ارساله وشذ من وصله وتوارد الحفاظ على الحكم بضعف حديث عائشة هذا وقد رواه من لا يوثق به عن مالك موصولا ذكره الدارقطني في غرائب مالك وبين مالك في روايته فقال إن صيامهما كان تطوعا وله من طريق أخرى عند أبي داود من طريق زميل عن عروة عن عائشة وضعفه أحمد والبخاري والنسائي بجهالة حال زميل وعلى تقدير ان يكون محفوظا فقد صح عن عائشة انه صلى الله عليه وسلم كان يفطر من صوم التطوع كما تقدمت الإشارة إليه في باب من نوى بالنهار صوما وزاد فيه بعضهم فأكل ثم قال لكن أصوم يوما مكانه وقد ضعف النسائي هذه الزيادة وحكم بخطئها وعلى تقدير الصحة فيجمع بينهما بحمل الامر بالقضاء على الندب وأما قول القرطبي يجاب عن حديث أبي جحيفة بان افطار أبى الدرداء كان لقسم سلمان ولعذر الضيافة فيتوقف على أن هذا العذر من الاعذار التي تبيح الافطار وقد نقل ابن التين عن مذهب مالك انه لا يفطر لضيف نزل به ولا لمن حلف عليه بالطلاق والعتاق وكذا لو حلف هو بالله ليفطرن كفر ولا يفطر وسيأتى بعد أبواب من حديث أنس ان النبي صلى الله عليه وسلم لما زار أم سلم لم يفطر وكان صائما تطوعا وقد أنصف ابن المنير في الحاشية فقال ليس في تحريم الاكل في صورة النفل من غير عذر الا الأدلة العامة كقوله تعالى ولا تبطلوا أعمالكم الا أن الخاص يقدم على العام كحديث سلمان
(١٨٥)