الشديدة حكاه الطبري عن قوم وذهب أكثر العلماء ومنهم مالك والشافعي وأبو حنيفة إلى أن الصوم أفضل لمن قوى عليه ولم يشق عليه وقال كثير منهم الفطر أفضل عملا بالرخصة وهو قول الأوزاعي وأحمد واسحق وقال آخرون هو مخير مطلقا وقال آخرون أفضلهما أيسرهما لقوله تعالى يريد الله بكم اليسر فإن كان الفطر أيسر عليه فهو أفضل في حقه وإن كان الصيام أيسر كمن يسهل عليه حينئذ ويشق عليه قضاؤه بعد ذلك فالصوم في حقه أفضل وهو قول عمر بن عبد العزيز واختاره ابن المنذر والذي يترجح قول الجمهور ولكن قد يكون الفطر أفضل لمن اشتد عليه الصوم وتضرر به وكذلك من ظن به الاعراض عن قبول الرخصة كما تقدم نظيره في المسح على الخفين وسيأتى نظيره في تعجيل الافطار وقد روى أحمد من طريق أبى طعمة قال قال رجل لابن عمر انى أقوى على الصوم في السفر فقال له ابن عمر من لم يقبل رخصة الله كان عليه من الاثم مثل جبال عرفة وهذا محمول على من رغب عن الرخصة لقوله صلى الله عليه وسلم من رغب عن سنتي فليس منى وكذلك من خاف على نفسه العجب أو الرياء إذا صام في السفر فقد يكون الفطر أفضل له وقد أشار إلى ذلك ابن عمر فروى الطبري من طريق مجاهد قال إذا سافرت فلا تصم فإنك ان تصم قال أصحابك اكفوا الصائم ارفعوا للصائم وقاموا بامرك وقالوا فلان صائم فلا تزال كذلك حتى يذهب أجرك ومن طريق مجاهد أيضا عن جنادة بن أمية عن أبي ذر نحو ذلك وسيأتى في الجهاد من طريق مورق عن أنس نحو هذا مرفوعا حيث قال صلى الله عليه وسلم للمفطرين حيث خدموا الصيام ذهب المفطرون اليوم بالاجر واحتج من منع الصوم أيضا بما وقع في الحديث الماضي ان ذلك كان آخر الامرين وان الصحابة كانوا يأخذون بالآخر فالآخر من فعله وزعموا أن صومه صلى الله عليه وسلم في السفر منسوخ وتعقب أولا بما تقدم من أن هذه الزيادة مدرجة من قول الزهري وبأنه استند إلى ظاهر الخبر من أنه صلى الله عليه وسلم أفطر بعد ان صام ونسب من صام إلى العصيان ولا حجة في شئ من ذلك لان مسلما أخرج من حديث أبي سعيد انه صلى الله عليه وسلم صام بعد هذه القصة في السفر ولفظه سافرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مكة ونحن صيام فنزلنا منزلا فقال النبي صلى الله عليه وسلم انكم قد دنوتم من عدوكم والفطر أقوى لكم فأفطروا فكانت رخصة فمنا من صام ومنا من أفطر فنزلنا منزلا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم انكم مصبحوا عدوكم فالفطر أقوى لكم فأفطروا فكانت عزيمة فأفطرنا ثم لقد رأيتنا نصوم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك في السفر وهذا الحديث نص في المسئلة ومنه يؤخذ الجواب عن نسبته صلى الله عليه وسلم الصائمين إلى العصيان لأنه عزم عليهم فخالفوا وهو شاهد لما قلناه من أن الفطر أفضل لمن شق عليه الصوم ويتأكد ذلك إذا كان يحتاج إلى الفطر للتقوى به على لقاء العدو وروى الطبري في تهذيبه من طريق خيثمة سألت أنس بن مالك عن الصوم في السفر فقال لقد أمرت غلامي أن يصوم قال فقلت له فأين هذه الآية فعدة من أيام أخر فقال إنها نزلت ونحن نرتحل جياعا وننزل على غير شبع وأما اليوم فنرتحل شباعا وننزل على شبع فأشار أنس إلى الصفة التي يكون فيها الفطر أفضل من الصوم وأما الحديث المشهور الصائم في السفر كالمفطر في الحضر فقد أخرجه ابن ماجة مرفوعا من حديث ابن عمر بسند ضعيف وأخرجه الطبري من طريق أبى سلمة عن عائشة مرفوعا أيضا وفيه ابن لهيعة وهو ضعيف ورواه الأثرم من طريق أبى سلمة عن
(١٦٠)