أفتستطيع أن تطعم ستين مسكينا قال لا وذكر الحاجة وفى حديث ابن عمر قال والذي بعثك بالحق ما أشبع أهلي قال ابن دقيق العيد أضاف الاطعام الذي هو مصدر أطعم إلى ستين فلا يكون ذلك موجودا في حق من أطعم ستة مساكين عشرة أيام مثلا ومن أجاز ذلك فكأنه استنبط من النص معنى يعود عليه بالابطال والمشهور عن الحنفية الاجزاء حتى لو أطعم الجميع مسكينا واحدا في ستين يوما كفى والمراد بالاطعام الاعطاء لا اشتراط حقيقة الاطعام من وضع المطعوم في الفم بل يكفي الوضع بين يديه بلا خلاف وفى اطلاق الاطعام ما يدل على الاكتفاء بوجود الاطعام من غير اشتراط مناولة بخلاف زكاة الفرض فان فيها النص على الايتاء وصدقة الفطر فان فيها النص على الأداء وفى ذكر الاطعام ما يدل على وجود طاعمين فيخرج الطفل الذي لم يطعم كقول الحنفية ونظر الشافعي إلى النوع فقال يسلم لوليه وذكر الستين ليفهم أنه لا يجب ما زاد عليها ومن لم يقل بالمفهوم تمسك بالاجماع على ذلك وذكر في حكمة هذه الخصال من المناسبة ان من انتهك حرمة الصوم بالجماع فقد أهلك نفسه بالمعصية فناسب أن يعتق رقبة فيفدى نفسه وقد صح ان من أعتق رقبة أعتق الله بكل عضو منها عضوا منه من النار وأما الصيام فمناسبته ظاهرة لأنه كالمقاصة بجنس الجناية واما كونه شهرين فلانه لما أمر بمصابرة النفس في حفظ كل يوم من شهر رمضان على الولاء فلما أفسد منه يوما كان كمن أفسد الشهر كله من حيث إنه عبادة واحدة بالنوع فكلف بشهرين مضاعفة على سبيل المقابلة لنقيض قصده وأما الاطعام فمناسبته ظاهرة لأنه مقابلة كل يوم باطعام مسكين ثم إن هذه الخصال جامعة لاشتمالها على حق الله وهو الصوم وحق الأحرار بالاطعام وحق الأرقاء بالاعتاق وحق الجاني بثواب الامتثال وفيه دليل على ايجاب الكفارة بالجماع خلافا لمن شذ فقال تجب مستندا إلى أنه لو كان واجبا لما سقط بالاعسار وتعقب بمنع الاسقاط كما سيأتي البحث فيه وقد تقدم في آخر باب الصائم يصبح جنبا نقل الخلاف في ايجاب الكفارة بالقبلة والنظر والمباشرة والانعاظ واختلفوا أيضا هل يلحق الوطء في الدبر بالوطء في القبل وهل يشترط في ايجاب الكفارة كل وطء في أي فرج كان وفيه دليل على جريان الخصال الثلاث المذكورة في الكفارة ووقع في المدونة ولا يعرف مالك غير الاطعام ولا يأخذ بعتق ولا صيام قال ابن دقيق العيد وهى معضلة لا يهتدى إلى توجيهها مع مصادمة الحديث الثابت غير أن بعض المحققين من أصحابه حمل هذا اللفظ وتأوله على الاستحباب في تقديم الطعام على غيره من الخصال ووجهوا ترجيح الطعام على غيره بأن الله ذكره في القرآن رخصة للقادر ثم نسخ هذا الحكم ولا يلزم منه نسخ الفضيلة فيترجح الاطعام أيضا لاختيار الله له في حق المفطر بالعذر وكذا أخبر بأنه في حق من أخر قضاء رمضان حتى دخل رمضان اخر ولمناسبة ايجاب الاطعام لجبر فوات الصيام الذي هو امساك عن الطعام ولشمول نفعه للمساكين وكل هذه الوجوه لا تقاوم ما ورد في الحديث من تقديم العتق على الصيام ثم الاطعام سواء قلنا الكفارة على الترتيب أو التخيير فان هذه البداءة ان لم تقتض وجوب الترتيب فلا أقل من أن تقتضى استحبابه واحتجوا أيضا بأن حديث عائشة لم يقع فيه سوى الاطعام وقد تقدم الجواب عن ذلك قبل وأنه ورد فيه من وجه آخر ذكر العتق أيضا ومن المالكية من وافق على هذا الاستحباب ومنهم من قال إن الكفارة تختلف باختلاف الأوقات ففي وقت الشدة يكون
(١٤٤)