فاستدل بهذا الحديث لتعين الحلق لمن لبد ولا حجة فيه وفيه أن الحلق أفضل من التقصير ووجهه أنه أبلغ في العبادة وأبين للخضوع والذلة وأدل على صدق النية والذي يقصر يبقي على نفسه شيئا مما يتزين به بخلاف الحالق فإنه يشعر بأنه ترك ذلك لله تعالى وفيه إشارة إلى التجرد ومن ثم استحب الصلحاء إلقاء الشعور عند التوبة والله أعلم وأما قول النووي تبعا لغيره في تعليل ذلك بأن المقصر يبقي على نفسه الشعر الذي هو زينة والحاج مأمور بترك الزينة بل هو أشعث أغبر ففيه نظر لأن الحلق إنما يقع بعد انقضاء زمن الأمر بالتقشف فإنه يحل له عقبه كل شئ إلا النساء في الحج خاصة واستدل بقوله المحلقين على مشروعية حلق جميع الرأس لأنه الذي تقتضيه الصيغة وقال بوجوب حلق جميعه مالك وأحمد واستحبه الكوفيون والشافعي ويجزئ البعض عندهم واختلفوا فيه فعن الحنفية الربع إلا أبا يوسف فقال النصف وقال الشافعي أقل ما يجب حلق ثلاث شعرات وفي وجه لبعض أصحابه شعرة واحدة والتقصير كالحلق فالأفضل أن يقصر من جميع شعر رأسه ويستحب أن لا ينقص عن قدر الأنملة وإن اقتصر على دونها أجزأ هذا للشافعية وهو مرتب عند غيرهم على الحلق وهذا كله في حق الرجال وأما النساء فالمشرع في حقهن التقصير بالإجماع وفيه حديث لابن عباس عند أبي داود ولفظه ليس على النساء حلق وإنما على النساء التقصير وللترمذي من حديث علي نهى أن تحلق المرأة رأسها وقال جمهور الشافعية لو حلقت أجزأها ويكره وقال القاضيان أبو الطيب وحسين لا يجوز والله أعلم وفي الحديث أيضا مشروعية الدعاء لمن فعل ما شرع له وتكرار الدعاء لمن فعل الراجح من الأمرين المخير فيهما والتنبيه بالتكرار على الرجحان وطلب الدعاء لمن فعل الجائز وإن كان مرجوحا (قوله عن الحسن بن مسلم) في رواية يحيى بن سعيد عن ابن جريج حدثني الحسن بن مسلم أخرجه مسلم والإسناد سوى أبي عاصم مكيون وفيه رواية صحابي عن صحابي ومعاوية هو ابن أبي سفيان الخليفة المشهور (قوله عن معاوية) في رواية مسلم أن معاوية بن أبي سفيان أخبره (قوله قصرت) أي أخذت من شعر رأسه وهو يشعر بأن ذلك كان في نسك إما في حج أو عمرة وقد ثبت أنه حلق في حجته فتعين أن يكون في عمرة ولا سيما وقد روى مسلم في هذا الحديث أن ذلك كان بالمروة ولفظه قصرت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بمشقص وهو على المروة أو رأيته يقصر عنه بمشقص وهو على المروة وهذا يحتمل أن يكون في عمرة القضية أو الجعرانة لكن وقع عند مسلم من طريق أخرى عن طاوس بلفظ أما علمت أني قصرت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بمشقص وهو على المروة فقلت له لا أعلم هذه إلا حجة عليك وبين المراد في ذلك في رواية النسائي فقال بدل قوله فقلت له لا الخ يقول ابن عباس وهذه على معاوية أن ينهى الناس عن المتعة وقد تمتع رسول الله صلى الله عليه وسلم ولأحمد من وجه آخر عن طاوس عن ابن عباس قال تمتع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى مات الحديث وقال وأول من نهى عنها معاوية قال ابن عباس فعجبت منه وقد حدثني أنه قصر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بمشقص انتهى وهذا يدل على أن ابن عباس حمل ذلك على وقوعه في حجة الوداع لقوله لمعاوية إن هذه حجة عليك إذ لو كان في العمرة لما كان فيه على معاوية حجة وأصرح منه ما وقع عند أحمد من طريق قيس بن سعد عن عطاء أن معاوية حدث أنه أخذ من أطراف شعر رسول الله صلى الله عليه وسلم في أيام العشر بمشقص معي وهو
(٤٥٠)