الزبير فأما الآن فقد بين موسى بن عقبة في روايته عن نافع كما في الباب الذي يليه أن بين موقفه صلى الله عليه وسلم وبين الجدار الذي استقبله قريبا من ثلاثة أذرع وجزم برفع هذه الزيادة مالك عن نافع فيما أخرجه أبو داود من طريق عبد الرحمن بن مهدي والدارقطني في الغرائب من طريقه وطريق عبد الله بن وهب وغيرهما عنه ولفظه وصلى وبينه وبين القبلة ثلاثة أذرع وكذا أخرجها أبو عوانة من طريق هشام بن سعد عن نافع وهذا فيه الجزم بثلاثة أذرع لكن رواه النسائي من طريق ابن القاسم عن مالك بلفظ نحو من ثلاثة أذرع وهي موافقة لرواية موسى ابن عقبة وفي كتاب مكة للأزرقي والفاكهي من وجه آخر أن معاوية سأل ابن عمر أين صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال اجعل بينك وبين الجدار ذراعين أو ثلاثة فعلى هذا ينبغي لمن أراد الأتباع في ذلك أن يجعل بينه وبين الجدار ثلاثة أذرع فإنه تقع قدماه في مكان قدميه صلى الله عليه وسلم إن كانت ثلاثة أذرع سواء وتقع ركبتاه أو يداه ووجهه إن كان أقل من ثلاثة والله أعلم وأما مقدار صلاته حينئذ فقد تقدم البحث فيه في أوائل الصلاة وأشرت إلى الجمع بين رواية مجاهد عن ابن عمر أنه صلى ركعتين وبين رواية من روى عن نافع أن ابن عمر قال نسيت أن أسأله كم صلى وإلى الرد على من زعم أن رواية مجاهد غلط بما فيه مقنع بحمد الله تعالى وفي هذا الحديث من الفوائد رواية الصاحب عن الصاحب وسؤال المفضول مع وجود الأفضل والاكتفاء به والحجة بخبر الواحد ولا يقال هو أيضا خبر واحد فكيف يحتج للشئ بنفسه لأنا نقول هو فرد ينضم إلى نظائر مثله يوجب العلم بذلك وفيه اختصاص السابق بالبقعة الفاضلة وفيه السؤال عن العلم والحرص فيه وفضيلة ابن عمر لشدة حرصه على تتبع آثار النبي صلى الله عليه وسلم ليعمل بها وفيه أن الفاضل من الصحابة قد كان يغيب عن النبي صلى الله عليه وسلم في بعض المشاهد الفاضلة ويحضره من هو دونه فيطلع على ما لم يطلع عليه لأن أبا بكر وعمر وغيرهما ممن هو أفضل من بلال ومن ذكر معه لم يشاركوهم في ذلك واستدل به المصنف فيما مضى على أن الصلاة إلى المقام غير واجبة وعلى جواز الصلاة بين السواري في غير الجماعة وعلى مشروعية الأبواب والغلق للمساجد وفيه أن السترة إنما تشرع حيث يخشى المرور فإنه صلى الله عليه وسلم صلى بين العمودين ولم يصل إلى أحدهما والذي يظهر أنه ترك ذلك للاكتفاء بالقرب من الجدار كما تقدم أنه كان بين مصلاه والجدار نحو ثلاثة أذرع وبذلك ترجم له النسائي على أن حد الدنو من السترة أن لا يكون بينهما أكثر من ثلاثة أذرع ويستفاد منه أن قول العلماء تحية المسجد الحرام الطواف مخصوص بغير داخل الكعبة لكونه صلى الله عليه وسلم جاء فأناخ عند البيت فدخله فصلى فيه ركعتين فكانت تلك الصلاة إما لكون الكعبة كالمسجد المستقل أو هو تحية المسجد العام والله أعلم وفيه استحباب دخول الكعبة وقد روى ابن خزيمة والبيهقي من حديث ابن عباس مرفوعا من دخل البيت دخل في حسنة وخرج مغفورا له قال البيهقي تفرد به عبد الله ابن المؤمل وهو ضعيف ومحل استحبابه ما لم يؤذ أحدا بدخوله وروى ابن أبي شيبة من قول ابن عباس أن دخول البيت ليس من الحج في شئ وحكى القرطبي عن بعض العلماء أن دخول البيت من مناسك الحج ورده بأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما دخله عام الفتح ولم يكن حينئذ محرما وأما ما رواه أبو داود والترمذي وصححه هو وابن خزيمة والحاكم عن عائشة أنه صلى الله عليه وسلم
(٣٧٣)