والتحقيق في المقام أن يقال: بعد أن كان الوصي على الفرض واحدا، لا شريك له كي يكون فعله وتصرفه فيما أوصى الميت إليه موقوفا على إجازة شريكه وإذنه، وهو بمقتضى الوصية مخير بين تطبيق دين الميت على أي مصداق من مصاديق ذلك الدين من أموال الميت، فلا يحتاج إلى قيام البينة لإثبات دينه، لأن المفروض أن الوصي الذي بيده أمر أداء ديون الميت يعلم بأن الميت مديون له.
فكما لو كان يعلم أن رجلا آخر غيره له دين في ذمة الميت الموصى كان عليه أن يؤدي دينه، وإن كان لذلك الرجل بينة لإثبات دينه لا يحتاج إلى طلب إقامة البينة لإثبات دينه، لأنه ثابت، لأن المفروض أن الوصي يعلم بذلك، فطلب البينة منه من قبيل طلب تحصيل الحاصل بل أردأ منه، لأنه من قبيل تحصيل ما هو حاصل بالوجدان بالتعبد.
فكذلك الأمر بالنسبة إلى دين نفسه، فيجوز أن يستوفي دينه من التركة، لأن المفروض أنه وصى في أداء ديونه.
وادعاء الانصراف عن أداء دينه لا وجه له، ولا يحتاج إلى أخذ الإجازة والإذن من الحاكم حتى لو قلنا بلزوم أخذ الإجازة عن الحاكم، لأنه هناك حق تطبيق الكلي على الخارج بيد المقتص منه لا بيد المقاص، وها هنا بيد نفس الدائن، لأنه وصي، فها هنا الدائن مأذون من قبل نفس المديون في التطبيق، فلا وجه لعدم جواز الاستيفاء مطلقا، سواء كان عند الوصي الحجة على إثبات دينه أو لم يكن.
ولكن قد يشكل الأمر على هذا برواية بريد بن معاوية، عن أبي عبد الله عليه السلام قال:
قلت له: إن رجلا أوصى إلي، فسألته أن يشرك معي ذا قرابة له، ففعل وذكر الذي أوصى إلي أن له قبل الذي أشركه في الوصية خمسين (خمسمائة) ومائة درهم عنده ورهنا بها جاما من فضة، فلما هلك الرجل أنشأ الوصي يدعي أن له قبله أكرار حنطة، قال عليه السلام: " إن أقام البينة وإلا فلا شئ له ". قال: قلت له: أيحل له أن يأخذ مما