ومما ذكرنا من انقسام
الأحكام الشرعية المدلول عليها في الكتاب والسنة على قسمين، يظهر لك معنى قوله (عليه السلام) في رواية
إسحاق بن عمار المتقدمة: المؤمنون عند شروطهم إلا شرطا حرم حلالا أو أحل حراما، فإن المراد بالحلال والحرام فيهما ما كان كذلك بظاهر دليله حتى مع الاشتراط، نظير
شرب الخمر وعمل الخشب صنما أو صورة حيوان، ونظير مجامعة
الزوج التي دل بعض الأخبار السابقة على عدم ارتفاع حكمها أعني الإباحة، متى أراد
الزوج باشتراط كونها بيد المرأة، ونظير التزوج والتسري والهجر حيث دل بعض تلك الأخبار على عدم ارتفاع إباحتها باشتراط تركها معللا بورود الكتاب
العزيز بإباحتها. أما ما كان حلالا لو خلي وطبعه بحيث لا ينافي حرمته أو وجوبه بملاحظة طرو عنوان خارجي عليه أو كان حراما، كذلك فلا يلزم من اشتراط فعله أو تركه، إلا تغير عنوان الحلال والحرام الموجب لتغير الحل والحرمة، فلا يكون حينئذ تحريم حلال ولا تحليل حرام، ألا ترى أنه لو نهى السيد عبده، أو الوالد ولده عن فعل مباح، أعني مطالبة ما له في ذمة غريمه، أو حلف المكلف على تركه لم يكن الحكم بحرمته شرعا من حيث طرو عنوان معصية السيد والوالد، وعنوان حنث اليمين عليه تحريما لحلال، فكذلك ترك ذلك الفعل في ضمن عقد يجب الوفاء به وكذلك امتناع
الزوجة عن الخروج مع زوجها إلى بلد آخر محرم في نفسه. وكذلك امتناعها من المجامعة، ولا ينافي ذلك حليتها باشتراط عدم اخراجها عن بلدها، أو باشتراط عدم مجامعتها، كما في بعض النصوص.
وبالجملة، فتحريم الحلال وتحليل الحرام، إنما يلزم مع معارضة أدلة الوفاء بالشرط لأدلة أصل الحكم حتى يستلزم
وجوب الوفاء مخالفة ذلك وطرح دليله.
أما إذا كان دليل الحكم لا يفيد إلا ثبوته لو خلي الموضوع وطبعه، فإنه لا يعارضه ما دل على ثبوت ضد ذلك الحكم إذا طرأ على الموضوع عنوان آخر لم يثبت ذلك الحكم له إلا مجردا عن ذلك العنوان
____________________
للمعارضة مع ما يثبت الحكم الالزامي له بالعنوان الثانوي، لأن اللا اقتضاء لا يعارض ما له الاقتضاء، فينحصر التعارض - لو سلم - بما لو اشترط ترك الواجب أو فعل الحرام.