من شك بين الثنتين والثلاث فلا يجوز له هاهنا أن يسلم قبل الإتيان بالركعة المتيقنة لأنه قاطع على أنه بقي عليه ركعة من فريضته، فإن قيل: فما بنى على الأكثر، قلنا: قد بنى على الأكثر وهي الثلاث وصلاته رباعية والثلاث أكثر من الاثنتين فهو متيقن أنه قد بقي عليه ركعة قبل سلامه، وأيضا هذا الحكم أعني الاحتياط بعد التسليم بالركعات لا يكون إلا في الصلوات الرباعيات مع سلامة الأوليين، فأصحابنا يقولون: يبني على الأكثر ويسلم ويعنون بذلك كأنه قد صلى الأربع بحيث يسلم بعد الأربع لا قبل الأربع لأن محل السلام في الرباعيات بعد الأربع فلأجل هذا قالوا: يبني على الأربع، بحيث أنه إذا لم يبن على الأربع فكيف يجوز له أن يسلم قبل تمام الصلاة متعمدا؟ ومن سلم قبل تمام صلاته متعمدا بطلت صلاته قالوا: يبني على الأربع أي كأنه في الحكم قد فرع من جميع ركعاته وصلاته ويسلم بعد ذلك فيكون السلام في محله، ثم بعد التسليم يبني على الأقل كأنه ما صلى إلا ركعتين أو كأنه ما صلى إلا ثلاثا ليكون على يقين من براءة ذمته، فقبل سلامه يبني على الأكثر لأجل التسليم على ما نبهنا عليه وبعد التسليم يبني على الأقل كأنه ما صلى إلا ما تيقنه وما شك فيه يأتي به ليقطع على براءة ذمته.
وقد قال السيد المرتضى رحمه الله في جواب المسائل الناصريات: المسألة الثانية والمائة قال صاحب المسائل: من شك في الأوليين استأنف الصلاة ومن شك في الأخريين بنى على اليقين.
قال المرتضى: هذا مذهبنا وهو الصحيح عندنا ألا ترى إلى قوله رضي الله عنه بنى على اليقين؟ إن أراد بنى على اليقين بعد سلامه ويصلى ما تساوت ظنونه فيه وتوهمه فقول صحيح محقق على ما بيناه، وإن أراد وقت شكه وقبل سلامه فهذا بخلاف عبارة أصحابنا لأنهم يقولون: هو يبني على الأكثر ويسلم والأكثر هو ما توهمه ولم يقطع عليه فيبني كأنه قد صلاه بحيث يسلم، ولو بنى هاهنا على اليقين لما سلم ولا كان يجوز له التسليم لأن يقينه ثابت في الركعتين الأوليين فحسب وهو في شك مما عداهما فلو بنى عليهما لما سلم ولأتى بما بقي عليه بعد قطعه على يقينه قبل سلامه وانفصاله بسلامة منها فليلحظ ذلك بعين التأمل الصافي.
وركعات الاحتياط تجب فيها النية احتياطا واجبا قربة إلى الله تعالى وتجب فيها تكبيرة الإحرام، ومن أحدث بعد سلامه وقبل صلاة الاحتياط فإنه لا يفسد صلاته بل يجب عليه الإتيان بالاحتياط لأن هذا ما أحدث في الصلاة بل أحدث بعد خروجه من الصلاة