بقي الكلام فيما يمكن أن يدعى فيما نحن فيه من أنه إذا دار أمر الحق بين شيئين عين أحدهما بالقرعة، فالقرعة هنا ليست لتعيين من عليه الحلف، كي يقال:
إن دليل ذلك وارد في غير المقام، وإن من عليه الحلف هنا متعين، وإنما القرعة لتعيين الواقع.
والجواب: أن أصل الحق غير معترف به من قبل كلا الطرفين، كي يقع الكلام في تعيينه بالقرعة.
فلم يبق في المقام عدا تساقط البينتين وتحليف المنكر.
نعم لو نكل المنكر، وكان المدعي مرددا بين الحقين، فحلف على الجامع بينهما، لا يبعد القول بانتهاء الأمر إلى القرعة لتعيين أحد الحقين.
وقد يخطر بالبال أن يحلل الأمر إلى قضيتين، فيقال بالنسبة لكل واحد من الحقين: إن هذا مردد بين شخصين، فتطبق عليه قاعدة العدل والإنصاف في تقسيم المالية إن أمكن.
ولكن الصحيح: أن قاعدة العدل والإنصاف ليس لها دليل مطلق يتمسك بإطلاقه، والروايات التي مضت - سواء ما تم منها دلالة وسندا وما لم يتم - كانت في مورد مال مردد بين شخصين من دون ثبوت جامع بين المالين لأحدهما بالخصوص، واحتمال الفرق وارد، إذن فالصحيح هو الرجوع إلى القرعة.
ومن هنا اتضح أيضا حكم ما لو اعترفا معا بأن الحق لزيد، وتردد الحق لديهما بين مالين، فالمرجع عندئذ هو القرعة التي هي لكل أمر مشكل.
أما لو اعترفا معا بأن الحق لزيد، واختلفا في أنه هل هو عبارة عن هذا المال أو ذاك؟ فزيد ادعى أحدهما، والآخر عين مالا آخر غير ما ادعاه زيد، فالظاهر أن هذا منحل إلى خلافين: أحدهما الخلاف في المال الذي يدعي كل واحد منهما أنه له، والثاني الخلاف في المال الذي يدعي كل واحد منهما أنه لصاحبه.