أن عب ء الإثبات على الأول دون الثاني، وبإمكان الثاني عند عجز الأول عن الإثبات أن يكتفي باليمين، وهذا غير عدم الاجتزاء بالبينة من المنكر لو أتى بها، وهم يقصدون بالبينة التي هي على المدعي مطلق الدليل، لا البينة بمعناها الفقهي لدينا من شهادة شاهدين، وعلى أي حال فلا يبقى - بناء على مبناهم - أساس لترجيح بينة الخارج أو بينة الداخل عند التعارض.
الثانية - أنه لا مجال عندهم لوصول النوبة إلى القرعة بعد تعارض البينتين لتعيين الواقع، أو لتعيين من عليه اليمين، وذلك ناتج عن أصل عدم إيمانهم بالقرعة في باب القضاء إطلاقا. وأما كون أكثرية العدد في إحدى البينتين مؤثرة في توجيه الحلف إلى صاحب البينة الأخرى، فأيضا لا مجال له عندهم، وإنما تدخل الأكثرية ضمن ما سنذكره من النقطة الثالثة.
الثالثة - أن أمر تقدير البينة وتقييمها ومدى قبولها وعدم قبولها في الموارد التي تسمح قوانينهم بقبول البينة متروك أساسا إلى القاضي، وبهذا تنحل مشكلة تعارض البينتين، فإن القاضي هو الذي يقدر مدى إمكانية الاعتماد على البينة، فإن رأى أنهما تعارضتا في الكشف وتساوتا - وبالتالي زال الكشف وانتفت القرينية - فقد تساقطت البينتان، وإن رأى أرجحية إحداهما - سواء بالأكثرية العددية أو بأي نكتة أخرى، بحيث بقيت لتلك البينة رغم التعارض درجة من الكشف قابلة للاعتماد - اعتمد عليها وأسقط الأخرى.
أقول: إن النقطة الأولى من هذه النقاط وهي قبول البينة من المنكر كقبولها من المدعي هو أحد الاتجاهات الموجودة في فقهنا أيضا بالنسبة للبينة بمعناها الفقهي عندنا من شهادة شاهدين، وإن كان مختارنا - كما مضى - غير ذلك.
والنقطة الثانية - وهي عدم قبول القرعة، كأنها ناتجة عن عدم وجود أي درجة من درجات الكشف والأمارية في القرعة.