بالحقيقة الواقعية ومخالفتها للحقيقة القضائية.
والقانون في تمسكه بالحقيقة القضائية دون الواقعية يوازن بين اعتبارين:
اعتبار العدالة في ذاتها، ويدفعه إلى تلمس الحقيقة الواقعية بكل السبل ومن جميع الوجوه حتى تتفق معها الحقيقة القضائية، واعتبار استقرار التعامل، ويدفعه إلى تقييد القاضي في الأدلة التي يأخذ بها، فيحدد له طرق الإثبات وقيمة كل طريق منها كي يأمن من جوره، ويحد من تحكمه، ولا يختلف القضاة في ما يقبلونه من دليل، وفي تقدير قيم الأدلة في الأقضية المتماثلة.
ويمكن في الموازنة بين الاعتبارين أن نتصور قيام مذاهب ثلاثة في الإثبات:
1 - المذهب الحر أو المطلق: وهو الذي يميل إلى استقرار العدالة ولو بالتضحية باستقرار التعامل.
2 - والمذهب القانوني أو المقيد: وهو الذي يقيد قوانين الإثبات أشد التقييد حتى يستقر التعامل.
3 - والمذهب المختلط وهو مذهب بين بين يوازن ما بين الاعتبارين، فيعتد بكل منها، ولا يضحي بأحدهما لحساب الآخر، وهذا هو خير المذاهب، فهو يجمع بين ثبات التعامل بما احتوى عليه من قيود وبين اقتراب الحقيقة الواقعية من الحقيقة القضائية بما أفسح فيه للقاضي من حرية التقدير وأشد ما يكون إطلاقا في المسائل الجنائية، ففيها يكون الإثبات حرا بتلمس القاضي وسائل الإقناع فيه من أي دليل يقدم إليه شهادة كانت، أو قرينة، أو كتابة، أو أي دليل آخر، ثم يتقيد الإثبات بعض التقيد في المسائل التجارية.
ويتصل بما تقدم مبدأ حياد القاضي، فالقاضي في المذهب الحر لا يكون محايدا، بل موقفه إيجابي ينشط القاضي فيه إلى توجيه الخصوم واستكمال ما نقص في الأدلة واستيضاح ما أبهم منها، بينما في المذهب القانوني سلبي محض لا يعدو