الفصل الثالث في واجبات الغسل وهي أمور الأول النية ولا يجب أزيد من نية الاستباحة أو رفع الحدث لعدم الدليل على اعتبار أزيد من ذلك ولو شك في اعتبار شئ منهما أو غيرهما من الشرائط كالكون على الطهارة أو اعتبار نية غاية من الغايات كالصلاة أو دخول المساجد ونحو ذلك فإن قلنا بأن المأمور به في باب الغسل هو تحصيل الطهارة الواقعية لا نفس هذه الأفعال يجب ح الاتيان بكل شئ يحتمل دخله في تحقق المأمور به لأنه بدون اتيان ذلك المحتمل الاعتبار يشك في تحقق المأمور به.
وأما إذا قلنا بأن المأمور به هو نفس هذه الأفعال ولا يجب على المكلف وراء هذه الأفعال شئ آخر فلا يجب اتيان ما يحتمل دخله في المأمور به لأصالة البراءة والظاهر هو الثاني وإن قيل بالأول فإن ظاهر قوله تعالى: وإن كنتم جنبا فاطهروا وإن كان ظاهرا في الأول إلا أن قوله تعالى: ولا جنبا إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا (1) مبيتن لقوله تعالى: فاطهروا فإنه يعلم منه أن المراد بالتطهر هو الاغتسال لا تحصيل الطهارة وكذا يستفاد هذا المعنى من روايات باب الجنابة مثل قوله (ع) صب على رأسه ثلاث أكف (2) وقوله ثم أفض على رأسك (3) وقوله (ع): وكل شئ أمسسته الماء فقد أنقيته (4) وقوله (ع) ليصب على رأسه ثلاث مرات (5) وغير ذلك من التعبيرات الواردة في كيفية غسل الجنابة فإنه يستفاد منها أن المأمور به هو غسل البدن وصب الماء عليه ومس البدن به لا تحصيل الطهارة إلا أن ذلك كله لا يخلو عن تأمل لأن الظاهر أن الأفعال مقدمات لحصول المأمور به الذي هو الطهارة.
ثم إنه يجب استدامة النية إلى آخر العمل بمعنى عدم نية الخلاف بناء على أن المراد من النية هي الداعي كما هو الحق لا الاخطار بالبال فلذا أفتى الفقهاء ببطلان الصوم عند قصد الافطار وإن رجع عن قصده وبطلان الصلاة عن إرادة قطعها إذا أتى ببعض