وإن كانت طهارتها ترابية فإن الطهارة الترابية قد جعلت في حال عدم وجدان الماء من أفراد الطهارة من الحدث بخلاف الفرض الآخر فإن الصلاة وإن كانت مع الطهارة المائية من الحدث إلا أنها فاقدة لرفع الخبث فيقدم الفرض الأول.
السبب الثاني من أسباب التيمم الذي ذكره في الشرائع عدم الوصلة إليه - أي إلى الماء - بأن كان الماء موجودا ولكن لا يمكن الوصول إليه إما لأجل كبر سنه أو لأجل المرض أو الضعف المفرط الذي يكون تحصيل الماء له في كل واحد منها مما لا يتحمل عادة فإن نفي العسر والحرج في الشريعة يجعله بمنزلة فاقد الماء فيشمله قوله تعالى: فلم تجدوا ماء فتيمموا لأن الامتناع الشرعي كالامتناع العقلي وكذلك عدم الوجدان الشرعي كعدم الوجدان العقلي.
وإما لأجل فقدان ثمن الماء وإن كان موجودا ويباع بثمن المثل أو بأقل منه أو كان واجدا لثمنه ولكن يضر شراؤه بحاله بأن كان الماء غاليا بحيث إذا اشتراه بتلك القيمة وقع في الحرج أو كان الماء رخيصا ولكن لقلة ذات يده يقع لأجل شرائه في الضيق.
وأما إذا كان الماء غاليا ولكن لأجل تمكنه المالي يتمكن من شرائه بأي سعر كان فقد قيد بعض الفقهاء بعدم كون الشراء اجحافا في الثمن وعن ابن جنيد عدم وجوب الشراء إذا كان الماء غاليا ويمكن الاستدلال له بنفي الحرج والضرر في الاسلام.
ولكن الظاهر أن المورد لا يكون من موارد الحرج والضرر فإن الحرج والضرر أمر عرفي يصدق على الفقير المعدم تارة ولا يصدق على الغني المثري أخرى مثلا ربما يكون صرف درهم واحد بالنسبة إلى أحد حرجيا وصرف ألف درهم بالنسبة إلى غيره لا يكون حرجيا لتمكنه منه وعدم تأثيره بالنسبة إلى حسن حاله فح لا نحتاج أن نلتزم بتخصيص قاعدة نفي العسر والحرج بما سيجئ من الأخبار بل نقول: المناط وجوب شراء الماء في كل مورد لا يكون شراؤه حرجيا ولو كان الشراء بأضعاف ثمنه بل بآلاف درهم أو دينار وعدم وجوب الشراء إذا كان موجبا للضرر والحرج.
فالأقوى ما عليه المشهور من وجوب شراء الماء مع التمكن ولو كان بآلاف درهم لصدق وجدان الماء ح فلا يشمله قوله: فلم تجدوا ماء فإن المقدور بالواسطة مقدور وللروايات الدالة على وجوب الشراء.