الثاني مما استثني من الميتة اللبن وقد ذكر في كثير من الأخبار التي استثنى فيها ما لا تحله الحياة كما سيئاتي والظاهر أن الأكثر على نجاسة نفس الضرع ومع ذلك فقد حكم بطهارة ما فيه من اللبن والحاصل أن الحكم بطهارة اللبن من الميتة مما أثبتته الأخبار وأفتى به أكثر علمائنا الأخيار ولازمه إما الحكم بطهارة الضرع أيضا ولكن لم أقف فيه على قائل وإما الحكم بعدم تنجس ما لاقى النجس وتخصيص العمومات الدالة على نجاسة ماقي النجس فإن تلك العمومات ليس من الأمور العقلية غير قابلة للتخصيص فإنها قد خصصت بماء الاستنجاء الذي أثبت الشرع طهارته فليكن المورد من موارد التخصيص لتلك العمومات فإنه وردت فيه أخبار صحيحة صريحة وعمل الأصحاب بمضمونها فلا وجه للترديد في طهارة اللبن بواسطة ملاقاته للضرع المحكوم بنجاسته لأنه مما تحله الحياة.
وربما حمل بعضهم تلك الأخبار - أي أخبار طهارة اللبن على طهارته ذاتا وإن كان ينجس بملاقاته للميتة وهو الضرع ولكن هذا الحمل حمل بعيد غير متبادر عرفا من الأخبار بل المتبادر من الأخبار هو طهارته بعد خروجه من الضرع ولنذكر رواية واحدة من الأخبار وهي صحيحة زرارة عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سألته عن الإنفحة تخرج من بطن الجدي الميت قال: لا بأس به قلت: اللبن يكون في ضرع الشاة وقد ماتت قال: لا بأس به الخبر (1) فإنه يظهر منها أن السؤال إنما هو عن اللبن الخارج من ضرع الشاة الميتة لا اللبن الموجود فيه من دون النظر إلى خروجه فإنه غير محل للابتلاء حتى يتعلق به السؤال كما لا يخفى.
الثالث من المستثنى من الميتة الإنفحة وقد ذكرت في كثير من الأخبار واستثنائها أيضا مما لا خلاف فيه وهل هي نفس الشئ الأصفر المستحيل إليه اللبن أو هو مع وعائه الذي هو بمنزلة الكرش للحيوان فإنه نقل عن بعض اللغويين في تفسيرها أنها كرش الحمل والجدي ما لم يأكل أي ما دام رضيعا فإذا أكل يسمى كرشا ويظهر من بعض آخر أنه شئ أصفر يستحيل إليه اللبن الذي يشربه الرضيع وكيف كان فلا اشكال في المظروف.
وأما الظرف فإن قلنا: بأنه يستفاد من الأخبار كونها نفس الظرف أو هو مع مظروفه أو قلنا بأنه يلزم من طهارة المظروف طهارة الظرف أيضا لعدم امكان طهارة الملاقي للنجس إلا بدون الرطوبة المسرية فلا بد من الحكم بطهارة الظرف أيضا.