الدفاع عن الشكوى لا يناسب أن يقر بالاستقصاء وسوء المطالبة بل المناسب أن يقول:
إني استقضيت حقي فلا وجه لشكواه وقول أبي عبد الله: كأنك إذا استقضيت يناسب المعجمة طبقا لمقالة الدائن ثم لما كان الاستقضاء على كيفيتين إحديهما بلا استقصاء وثانيتهما معه قال أبو عبد الله عليه السلام: لم يكن كل استقضاء غير سوء بل منه ما ينطبق عليه سوء الحساب والاستقصاء فيه فمن استقصى فقد أساء، فالمناسب للموضع الأخير بل لما قبله المهملة، ويؤيده أن مطلق الاستقضاء ليس إسائة كما هو واضح.
وكيف كان لا دلالة للرواية على المقصود أي جواز الغيبة في ترك الأولى، لأن الشكوى إن كان بمعنى تظلم المظلوم وذكر سوء ما فعل به كما فسر به في اللغة:
فالظاهر منه كون المطالبة كانت مقرونة للظلم كالإهانة والتحقير وغيرهما فتدل على جواز غيبة الظالم عند مثل أبي عبد الله عليه السلام الذي يرجى منه دفع الظالم وظلمه سيما أن المشكو كان من أصحابه، وإن كان أعم فلا دلالة فيها على أن الشاكي اغتابه لامكان الشكوى عنه بما لا يرجع إلى الانتقاص والغيبة مضافا إلى أن الظاهر من سياق الرواية وغضب أبي عبد الله وتطبيق الآية: أن مطالبته كانت بوجه منطبق عليه عنوان الظلم كالاستقصاء من الفاقد الموجب لخجلته وهتكه.
ومما ذكرناه من معنى الشكاية والاحتمالين فيها يظهر النظر في الاستدلال بمرسلة ثعلبة بن ميمون (1) عن أبي عبد الله عليه السلام قال: كان عنده قوم يحدثهم إذ ذكر رجل منهم رجلا فوقع فيه وشكاه فقال له أبو عبد الله عليه السلام وأنى لك بأخيك كله و أي الرجال المهذب (نعم) ظاهر وقع فيه أنه اغتابه فقوله: شكاه يصير ظاهرا حينئذ في تظلمه وذكر سوء ما فعل به، ولا يدل ذيله على أن شكواه كان في ترك الأولى لأن حقوق الأخوة بين واجبات ومستحبات، وترك شئ منهما مخالف للأخوة وكون الرجل مهذبا نعم لا يخلو نحو تعبيره من اشعار بترك الأولى لكنه لا يصل إلى حد الدلالة والظهور المتبع، مضافا إلى عدم دليل على أن الرجل المذكور عنده