قد اقتفى ابن زهرة أثر علم الهدى في غنيته كثيرا، بل يشعر أو يدل كلامه المتقدم على عدم اعتبار الرواية المتقدمة عند أصحابنا، وإنما احتج بها إلزاما عليهم، وليس عندي كتاب السرائر مع الأسف، وكيف كان لا يمكن الاستناد بمثل النبوي في الحكم، كما لم يستندوا عليه أصحابنا المتقدمون، اعتمادا وفتوى. وإلا النبوي المتقدم عن عوالي اللئالي (إن الله إذا حرم على قوم أكل شئ حرم عليهم ثمنه) وسنده أوهن من سابقه، مع أنه في المأكول، والغاء الخصوصية منه واسراء الحكم إلى المشروب المحرم أصلا وتبعا محل تأمل، ومر حال رواية التحف والرضوي والغاء الخصوصية من الروايات الكثيرة الواردة في نجاسات ومحرمات خاصة بأن ثمنها سحت مشكل بالنسبة إلى المتنجسات، لاحتمال أن تكون لأعيان النجاسات خصوصية توجب غلظة في الحكم لا تكون في المتنجس بها.
والاستدلال على المطلوب بما وردت في العصير غير وجيه، وأوهن منه الاستدلال بروايات أمر فيها بإهراق الماء والمرق المتنجسين (1) فإن الاستدلال بها لبطلان المعاملة بها محل اشكال، فضلا عن الاستدلال لحرمة البيع أو حرمة الثمن، لأن الانتفاع بصاع من الماء ليس إلا للتوضي أو الشرب عادة، وهما غير جائزين بالماء النجس أو المشتبه به، وليس لها نفع آخر، ولعل الأمر بالإراقة كناية عن عدم نفع له، وكذا المرق لا نفع له إلا الأكل الممنوع منه، فلا تدل تلك الروايات على إلغاء مالية الملاقي للنجس، وإن كان الاحتياط حسنا، بل ينبغي تركه وأما بطلان المعاملة به فالظاهر تسلمه لدى الأصحاب في الجملة، كما هو مقتضى دعوى اجماع الغنية والمنتهى، قال في الأول (2) وقيدنا بكونها مباحة، تحفظا من المنافع المحرمة، و يدخل في ذلك كل نجس لا يمكن تطهيره، إلا ما أخرجه الدليل من بيع الكلب المعلم للصيد، والزيت النجس للاستصباح به تحت السماء، وهو اجماع الطائفة،