وأن الحرمة إذا تعلقت بذات الشئ تفيد حرمة مطلق الانتفاعات، لأن التعلق بها مبني على الدعوى، وهي أنسب لها. ويظهر النظر فيه بعد ذكر الآية الكريمة قال تعالى (1) فسأكتبها (أي الرحمة) للذين يتقون و يؤتون الزكاة والذين هم بآياتنا يؤمنون الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث (الخ) فإن مبنى الاستدلال على دعوى تعلق الحرمة على عنوان الخبيثات، وأنت خبير بأن الآية ليست بصدد بيان تحريم الخبائث، بل بصدد الأخبار عن أوصاف النبي صلى الله عليه وآله بأنه يأمرهم بالمعروف (الخ). وليس المراد أن النبي صلى الله عليه وآله يحرم عنوان الخبائث أو ذاتها، ويحل عنوان الطيبات أو ذاتها، بل بصدد بيان أنه يحل كل ما كان طيبا، ويحرم كل ما كان خبيثا بالحمل الشايع، ولو بالنهي عن أكله وشربه، فإذا نهى عن شرب الخمر، وأكل الميتة، ولحم الخنزير، وهكذا، يصدق أنه حرم الخبائث، فلا دلالة للآية على تحريم عنوان الخبائث، وهو ظاهر. ومن ذلك يظهر أن الاستدلال بمفهوم قوله تعالى (2) يسألونك ماذا أحل لهم قل أحل لكم الطيبات، ليس على ما ينبغي، فإن المراد من حلية الطيبات حلية ما كان طيبا بالحمل الشايع، لا أن الحلية متعلقة بعنوان الطيب أو ذاته.
وإن شئت قلت: إن هذا جمع للتعبير عما هو حلال، لا أن الحلال في الشريعة شئ واحد: هو عنوان الطيب، والحرام شئ واحد: هو عنوان الخبيث المقابل له.
هذا، مضافا إلى أن الظاهر بقرينة صدرها وذيلها حلية الأكل، كما تأتي الإشارة إليه. مع أن المفهوم (علي فرضه) لم يحل لكم غير الطيبات، لا حرم عليكم الخبائث فلا ينتج لما نحن بصدده، مضافا إلى امكان انكار المفهوم، ولو كان بصدد التحديد.
ومنه قوله تعالى: والرجز فاهجر، بنحو ما تقدم من التقريب، وفيه أنه لم يتضح