لأن حقيقة المعاوضة ونحوها كالهبة مجانا متقومة بتبديل الإضافات الحاصة، فالبيع عبارة عن مبادلة مال بمال أو عين بعين لا مطلقا، فإن المبادلة المطلقة لا معنى لها ولا في ذاتهما أو أوصافهما الحقيقة، ولا في مطلق الإضافات بل في إضافة خاصة هي إضافة الملكية أو الأعم منها، ومن إضافة الاختصاص والهبة عبارة عن تمليك عين مجانا أو مقابل تمليك عين مثلا وحقيقتها أيضا نقل الإضافة الخاصة أو تبديلها وسيأتي التفصيل في مظانه انشاء الله تعالى، ويأتي أيضا بيان الحال في بيع الكلي في الذمة مما قد يقال إنه ليس من قبيل التبادل في إضافة الملكية، ولو قلنا بأن البيع تمليك عين بعوض وأمثال ذلك: لا يوجب فرقا فيما نحن بصدده.
وكيف كان فمع عدم اعتبار العقلاء الملكية أو الاختصاص لشئ بالنسبة إلى شخص: لا يمكن تحقق العناوين المتقومة بهما وهو واضح، ولا ريب في أن اعتبار الملكية وكذا الاختصاص لدى العقلاء: ليس جزافا وعبثا بل للاعتبارات العقلائية كلها منا شئ ومصالح نظامية ونحوها، فاعتبار الملكية والاختصاص فيما لا ينتفع به ولا يرجى هي منه رأسا ولا يكون موردا لغرض عقلائي نوعي أو شخصي: لغو صرف و عبث محض، فمثل البرغوث والقمل ليس ملكا لأحد، ولا لأحد حق اختصاص متعلق به، فما ربما يقال: إن للانسان حق اختصاص بالنسبة إلى فضلاته: ليس وجيها على اطلاقه فالنخامة الملقاة على الأرض ليست ملكا لصاحبها، ولا له حق اختصاص بها، أعرض عنها أم لم يعرض، وبالجملة اعتبار الملكية وحق الاختصاص تابع لجهة من جهات المصالح، وما لا نفع فيه مطلقا ولا غرض لأحد في اقتنائه: لا يعتبر ملكا ولا مختصا بأحد، فأساس المعاملات المتقومة بالإضافتين منهدم رأسا بل الظاهر عدم صدق شئ من عناوين المعاوضات والمعاملات مع فقد المالية مطلقا، فاعطاء قمل وأخذ برغوث ليس بيعا ولا معاقدة ولا تجارة لدى العرف والعقلاء، لما عرفت من عدم مناط الاعتبار فيما لا نفع ولا مالية له.
فما قيل من أن البيع عبارة عن تبديل عين بعين من غير اعتبار المالية فيهما ساقط