نعم فيهم من يكون مقصرا لو احتمل خلاف مذهبه وترك النظر إلى حجته عنادا أو تعصبا كما كان في بدو الاسلام في علماء اليهود والنصارى من كان كذلك، وبالجملة أن الكفار كجهال المسلمين منهم قاصروهم الغالب ومنهم مقصر، والتكاليف أصولا وفروعا مشتركة بين جميع المكلفين عالمهم وجاهلهم قاصرهم ومقصرهم، والكفار معاقبون على الأصول والفروع لكن مع قيام الحجة عليهم لا مطلقا، فكما أن كون المسلمين معاقبين على الفروع ليس معناه أنهم معاقبون عليها سواء كانوا قاصرين أم مقصرين كذلك الكفار طابق النعل بالنعل بحكم العقل وأصول العدلية فتحصل مما ذكر أن ما ادعى من السيرة على بيع الطعام في نهار شهر رمضان من الكفار وسائر ما هو نظيره: خارج عن عنوان الإعانة على الإثم أو تهيئة أسباب المعصية، لعدم الإثم والعصيان غالبا، وعدم العلم ولو اجمالا بوجود مقصر فيمن يشتري الطعام وغيره هذا مع غفلة جل أهل السوق لولا كلهم عن هذا العلم الاجمالي وعدم انقداح ما ذكر في أذهانهم، فدعوى وجود السيرة مع العلم التفصيلي أو الاجمالي والتوجه والتذكر لذلك، غير وجيهة جدا.
وأما بيع القرطاس مع العلم باتخاذ كتب الضلال من بعضه، فمضافا إلى ما تقدم وعدم العلم الاجمالي رأسا: أن دفع اضلال الناس من الأمور التي يهتم به الشارع الأقدس فكيف يمكن القول بجواز بيع القرطاس ممن يعلم أنه يكتب فيه ضد الاسلام ورد القرآن الكريم والعياذ بالله، صدق عليه عنوان الإعانة على الإثم أم لا، وأما ما ذكر من السيرة على معاملة الملوك لو سلم حصول العلم الاجمالي المذكور أي حصول العلم بصرفه في الظلم والعدوان: فلا تكشف تلك السيرة عن رضى الشارع بعد ما وردت تلك الروايات الكثيرة في باب معونة الظالم، حيث يظهر منها حرمة ايجاد بعض مقدمات الظلم ولو لم يقصد البايع ذلك.
وإن شئت قلت إن السيرة ليست من المسلمين المبالين بالديانة، وليست المعاملة معهم مع العلم بالصرف في الظلم إلا كبيع الخمر وآلات الطرب الذي هو رواج في سوق المسلمين، ولا يمكن عده من سيرتهم الكاشفة ولا من سيرتهم بما