ومنها الدراية وهي المعرفة الحاصلة بضرب من الحيلة وهو تقديم المقدمات واستعمال الروية وأصله من باب دريت الصيد ولذا قيل لا يصح اطلاقه على الله لامتناع الفكر والحيلة عليه تعالى ومنها الذهن وهو قوه النفس على اكتساب العلوم التي هي غير حاصله والوجود الذهني غير وجود الذهن (1) فان الذهن في نفسه من الأمور الخارجية وما يوجد فيه بوجود مطابق لما في الخارج ومحاك له يقال له الوجود الذهني لذلك الشئ وهو الوجود للشئ الذي لا يترتب عليه ما يترتب على وجوده الخارجي وتحقيق الكلام فيه (2) ان الله تعالى خلق الروح الانساني خاليا عن تحقق الأشياء فيه وعن العلم بها كما قال تعالى أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا لكنه ما خلقه الا للمعرفة والطاعة وما خلقت الجن والإنس الا ليعبدون ولو لم يكن خلق الروح الانساني لأجل معرفه حقائق الأشياء كما هي لوجب ان يكون في أول الفطرة أحد تلك الأشياء بالفعل لا انها خاليه من الكل كما أن الهيولى لما خلقت لان يتصور فيها الصور الطبيعية كلها كانت في أصل جوهرها قوه محضه خاليه عن الصور الجسمية فهكذا الروح الانساني وإن كان في أول الفطرة قوه محضه خاليه عن المعقولات لكنها من شانها ان تعرف الحقائق وتتصل بها كلها فالعرفان بالله وملكوته وآياته هو الغاية والتعبد هو التقرب إليه والسلوك نحوه وان كانت العبادة أيضا مشروطه به نتيجة له (3) كما قال تعالى أقم الصلاة لذكرى فالعلم هو الأول والاخر والمبدأ والغاية فلا بد للنفس من أن تكون متمكنة من تحصيل هذه المعارف والعلوم وذلك التمكن هو هياه استعدادية للنفس لتحصيل هذه
(٥١٥)