وطمعا برفع مقام الخلفاء ودوام ذكرهم، انتشر الحديث الموضوع، لرفع مقام الخلافة، فكما فرض الله طاعة رسوله (أطيعوا الله والرسول) فرضت تلك الأحاديث الموضوعة طاعة الخليفة مهما فعل، وحرمت الخروج عليه مهما فعل، فعندما أرادوا هدم الكعبة لمحاصرة أعداء الخليفة، قالوا: إن هدم الكعبة حرمة، وطاعة الخليفة واجبة، فغلبت طاعة الخليفة محارم الله، وهدموا الكعبة فعلا!
وكان شمر بن ذي الجوشن يقعد حتى يصبح، ثم يصلي ويقول في دعائه (اللهم اغفر لي) فقيل له: كيف يغفر الله لك وقد خرجت إلى ابن بنت رسول الله فأعنت على قتله؟ قال: ويحك فكيف نصنع، إن أمراءنا هؤلاء أمرونا، فلم نخالفهم، ولو خالفناهم كنا شرا من هذه الحمر). راجع تاريخ الإسلام للذهبي مجلد 3 صفحة 18 - 19.
وكان كعب بن جابر ممن حضر قتال الحسين في كربلاء يقول في مناجاته (يا رب إنا قد وفينا فلا تجعلنا يا رب كمن غدر) يقصد بمن غدر من خالف الخليفة وعصى أمره.
ودنا عمر بن الحجاج يوم عاشوراء من أصحاب الحسين، ونادى وقال: يا أهل الكوفة الزموا طاعتكم وجماعتكم، ولا ترتابوا في قتل من مرق من الدين وخالف الإمام.
وقد قال مسلم بن عقبة الذي استباح المدينة، وختم أعناق الصحابة، وأذلهم وقتل يوم الحرة أحد عشر ألف مسلم، قال عن عمله هذا: اللهم إني لم أعمل عملا قط بعد شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله (أي بعد الإسلام) أحب إلي من قتل أهل المدينة (أي مدينة الرسول) ولا أرجى عندي في الآخرة، وإن دخلت النار بعد ذلك إني لشقي فإن هذا تدين بحب الخلفاء، وطاعتهم فريد من نوعه.
وثمرة لهذا كله تعاظم مقام الخليفة، حتى بلغ عند شيعة الخلفاء مرتبة لم يبلغها النبي نفسه، فقد كتب مروان بن محمد - وكان واليا على أرمينية - إلى الوليد بن يزيد بن عبد الملك الفاسق: يبارك له خلافة الله على عباده. راجع تاريخ بن كثير مجلد 10 صفحة 4، وهذا الوليد هو الذي سعى أخوه سلمان في قتله، وقال أشهد أنه كان