وروى مسروق (ذكر عبد الله بن عمر وعبد الله بن مسعود فقال: لا أزال أحبه، سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: خذوا القرآن من أربعة: من عبد الله بن مسعود، وسالم، ومعاذ، وأبي بن كعب - المرجع السابق.
وأخرج النسائي بسند صحيح عن عبد الله بن عمر قال (جمعت القرآن فقرأت به كل ليلة، فبلغ النبي (صلى الله عليه وآله) فقال: إقرأه في شهر - الإتقان، النوع 20 مجلد 1 صفحة 124.
ويضيف الإمام الخوئي قائلا: ولعل قائلا يقول: أن المراد من الجمع في هذه الروايات هو الجمع في الصدور لا التدوين، ولا يخفى أن هذا القول دعوى لا شاهد عليها، أضف إلى ذلك أنك ستعرف أن حفاظ القرآن الكريم على عهده (صلى الله عليه وآله وسلم) أكثر من أن تحصى أسماؤهم، فكيف يمكن حصرهم في أربعة أو ستة؟ وأن المتصفح لأحوال الصحابة وأحوال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يحصل له اليقين بأن القرآن كان مجموعا على عهد رسول الله، وأن عدد الجامعين له لا يستهان به.
وأما ما روى البخاري بإسناده عن أنس قال: مات النبي (صلى الله عليه وسلم) ولم يجمع القرآن غير أربعة: أبو الدرداء، ومعاذ بن جبل، وزيد بن ثابت، وأبو زيد، فمطروح لأنه معارض للروايات المتقدمة، حتى لما رواه البخاري بنفسه، ويضاف إلى ذلك أنه غير قابل للتصديق، وكيف يمكن أن يحيط الراوي بجميع أفراد المسلمين حين وفاة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، على كثرتهم، وتفرقهم في البلاد، ويستعلم أحوالهم ليمكنه أن يحصر الجامعين للقرآن في أربعة؟ وهذه الدعوى تخرص بغير علم.
وصفوة القول: أنه مع هذه الروايات كيف يمكن أن يصدق أن أبا بكر كان أول من جمع القرآن بعد خلافته؟ وإذا سلمنا بذلك فلماذا أمر زيدا وعمر بجمعه من اللخاف، والعسب، وصدور الرجال، ولم يأخذه من عبد الله ومعاذ وابن أبي، وقد كانوا عند الجمع أحياء، وقد أمروا بأخذ القرآن منهم ومن سالم؟ نعم إن سالما قد قتل في حرب اليمامة فلم يمكن الأخذ منه، على أن زيدا نفسه كان أحد الجامعين للقرآن على ما يظهر من هذه الرواية، فلا حاجة إلى التفحص والسؤال من غيره، بعد أن كان شابا عاقلا غير متهم، كما يقول أبو بكر.