ثم إن في وجوب التعويض عما لا يحسنه من الفاتحة أو الاكتفاء بما يحسنه وجهان: من أن ما دل على البدلية عند تعذر الجمع يدل على اعتبار البدلية عن كل جزء من الفائت، إذ ليس المراد البدلية عن الجميع من حيث الجميع على نحو العام المجموعي البدلية عن كل جزء جزء على نحو العام الاستغراقي، فما دل على وجوب التعويض عن جميع الفاتحة عند عدم التمكن منه يدل على وجوب التعويض عن بعض الفاتحة عند عدم التمكن منه، ومن أن ظاهر قوله عليه السلام: إذا أمرتكم بشئ فأتوا منه ما استطعتم (1). هو الاجتزاء بما استطاع من الفاتحة من غير تعويض، والوجه الأول لا يخلو عن قوة. وقد يؤيد بقوله تعالى " فاقرأوا ما تيسر من القرآن " (2) وفيه: بعد تقييد بالفاتحة، حيث إنه لم يجب من القرآن إلا الفاتحة، أو هي مع السورة في خصوص الصلاة أن غاية دلالته وجوب الفاتحة، وأين هذا من وجوب التعويض عنها؟ ولو قطع النظر عن التقييد فلا يدل على الوجوب، بداهة أنه لا يجب قراءة كل ما تيسر من القرآن ولو في غير حال الصلاة، وربما يستدل له أيضا بقوله عليه السلام بما في العلل: (إنما أمر الناس بالقراءة في الصلاة لئلا يكون القرآن مهجورا، إلى أن قال: وإنما بدأ بالحمد دون غيرها لأنه جمع فيه جوامع الكلم... إلخ) (3). فإن ظاهره يدل على أن ماهية القراءة مطلوبة في نفسها لحكمة عدم هجر القرآن وخصوصية الفاتحة لحكمة أخرى، ففقد الخصوصية لا يوجب سقوط الماهية. وفيه نظر: فإن سقوط القيد إنما لا يوجب سقوط المقيد على القول به إذا لم يكن القيد من قبيل الفصل كالايمان بالنسبة إلى الرقبة، وأما إذا كان من قبيل الجنس والفصل كالناطق بالنسبة إلى
(٨٤)