ناحية سلع ثم صرخ وا صباحاه ثلاثا وقيل نادى الفزع الفزع ونودي يا خيل الله اركبي وكان أول ما نودي بها، وركب رسول الله ص فخرج غداة الأربعاء مقنعا في الحديد فوقف فكان أول من أقبل إليه المقداد بن عمرو وعليه الدرع والمغفر شاهرا سيفه فعقد له ص لواء في رمحه وقال امض حتى تلحقك الخيول انا على اثرك وهو الذي يقال له المقداد بن الأسود لأنه كان في حجر الأسود بن عبد يغوث وتبناه فنسب إليه وتلاحقت به الفرسان واستخلف على المدينة عبد الله بن أم مكتوم وخلف سعد بن عبادة في ثلثمائة من قومه يحرسون المدينة اما سلمة فبعد ما صاح واعلم الناس خرج يشتد في اثر القوم كالسبع وقد كاد يسبق الفرس جريا وهو على رجليه حتى أدركهم فجعل يراميهم بالنبل ويقول:
- خذها وأنا ابن الأكوع * اليوم يوم الوضع - أي يوم هلاك اللئام فإذا وجهت الخيل نحوه انطلق هاربا قال كنت الحق الرجل منهم فارميه بسهم في رجليه فيعقره فإذا رجع إلى فارس منهم أتيت شجرة فجلست في أصلها ثم ارميه فاعقره فيولي عني فإذا دخلت الخيل في بعض مضايق الجبل علوته ورميتهم بالحجارة ولحق بهم رسول الله ص وقسم في كل مائة من أصحابه جزورا ينحرونها وكانوا خمسمائة وقيل سبعمائة وبعث سعد بن عبادة باحمال تمر وبعشر جزائر فوافت رسول الله ص بذي قرد واستخلصوا منه عشر قلائص وفاتتهم عشر وقيل استخلصوا الجميع وقتل من المسلمين رجل اسمه قمير من الفرسان وقتل من المشركين جماعة ورجعت زوجة أبي ذر هربت منهم ليلا على بعض تلك القلائص فقالت يا رسول الله اني نذرت ان انحرها ان نجاني الله عليها قال بئسما حزيتها لا نذر في معصية ولا فيما لا تملكين وعاد ص إلى المدينة وقد غاب عنها خمس ليال ولم يذكروا ان عليا ع حضر هذه الغزاة فلعله كان غائبا عن المدينة أو له مانع والا فهو فارس الغزوات وصاحب راية رسول الله ص لا يمكن ان يتأخر عن غزوة اختيارا أو يحضر ولا يبلي فيها بلاء حسنا.
غزوة الحديبية أو صلح الحديبية (1) نأخذها من طبقات ابن سعد وسيرة ابن هشام والسيرة الحلبية وغيرها: خرج ص للعمرة لا يريد حربا يوم الاثنين غرة ذي القعدة سنة ست من الهجرة قال ابن سعد استنفر أصحابه إلى العمرة فأسرعوا وقال ابن هشام استنفر العرب ومن حوله من أهل البوادي ليخرجوا معه وهو يخشى من قريش ان يحاربوه أو يصدوه عن البيت فأبطأ عليه كثير من الاعراب فخرج بمن معه من المهاجرين والأنصار ودخل رسول الله ص فاغتسل ولبس ثوبين وركب راحلته القصواء ومعه ألف وستمائة أو ألف وأربعمائة أو ألف وخمسمائة وخمسة وعشرون واستخلف على المدينة عبد الله بن أم مكتوم قال المفيد في الارشاد: وكان اللواء يومئذ إلى أمير المؤمنين علي ع كما كان إليه في المشاهد قبلها. ولم يخرج بسلاح إلى السيوف في القرب وساق سبعين بدنة هو وأصحابه فصلى الظهر بذي الحليفة ثم دعا بالبدن فجللت ثم أشعر عدة منها في الشق الأيمن من سنامها أي جرحها وقلدها أي علق في عنقها قطعة جلد أو نعلا بالية ليعلم انها هدي فيكف عنها وأشعر أصحابه أيضا وهن موجهات إلى القبلة وأحرم ولبى وقدم عباد بن بشر أمامه طليعة في عشرين فارسا من المهاجرين والأنصار وبلغ المشركين خروجه فاجمع رأيهم على صده وعسكروا ببلدح وقدموا مائتي فارس إلى كراع الغميم عليهم خالد بن الوليد. ودخل بسر بن سفيان الخزاعي الكعبي مكة فعرف ما يريدون وجاء حتى لقيه وراء عسفان فقال يا رسول الله هذه قريش قد سمعت بمسيرك فخرجوا معهم العوذ المطافيل (2) قد لبسوا جلود النمور (3) وقد نزلوا بذي طوى يعاهدون الله لا تدخلها عليهم ابدا وهذا خالد بن الوليد في خيلهم قد قدموا إلى كراع الغميم فقال ص يا ويح قريش قد اكلتهم الحرب ما ذا عليهم لو خلوا بيني وبين سائر العرب فان هم أصابوني كان ذلك الذي أرادوا وان اظهرني الله عليهم دخلوا في الاسلام وافرين وان لم يفعلوا قاتلوا وبهم قوة فما تظن قريش فوالله لا أزال أجاهد على الذي بعثني الله به حتى يظهره أو تنفرد هذه السالفة والسالفة صفحة العنق.
ودنا خالد حتى نظر إلى أصحاب رسول الله فامر ص عباد بن بشر فتقدم في خيله فقام بازائه وصف ص أصحابه وحانت صلاة الظهر فصلى ص بهم صلاة الخوف فلما امسى قال لأصحابه تيامنوا وأمرهم ان يسلكوا طريقا تخرجهم على مهبط الحديبية من أسفل مكة فسار في طريق وعرة حتى دنا من الحديبية وهي طرف الحرم على تسعة أميال من مكة إلى جهة الغرب من ناحية جدة فلما رأت خيل قريش غبار الجيش قد خالفوا عن طريقهم رجعوا راكضين إلى قريش ينذرونهم فخرجوا بأجمعهم حتى نزلوا مياه الحديبية فلما وقعت يدا راحلته ص على الثنية التي تهبط على القوم بركت فقال المسلمون حل حل يزجرونها فابت ان تنبعث فقالوا خلأت (4) القصواء فقال ص ما خلأت وما هو لها بخلق ولكن حبسها حابس الفيل عن مكة اما والله لا يسألوني اليوم خطة فيها تعظيم حرمة الله وفي رواية فيها صلة الرحم الا أعطيتهم إياها ثم زجرها فقامت وانصرف عن القوم حتى نزل بالناس على ثمد من أثماد الحديبية وجاءه بديل بن ورقاء الخزاعي رئيس خزاعة في رجال من قومه وكانت خزاعة مسلمها وكافرها عيبة نصح رسول