والكشف الذي يقع لمثلهم من الأولياء وكان مكتوبا عند جعفر في جلد ثور صغير فرواه عنه هارون العجلي فكتبه وسماه الجفر باسم الجلد الذي كتب منه لأن الجفر في اللغة هو الصغير وصار هذا الاسم علما على هذا الكتاب عندهم وكان فيه تفسير القرآن وما في باطنه من غرائب المعاني مروية عن جعفر الصادق وهذا الكتاب لم تتصل روايته ولا عرف عينه وإنما يظهر منه شواذ من الكلمات لا يصحبها دليل ولو صح السند إلى جعفر الصادق لكان فيه نعم المستند من نفسه أو من رجال قومه فهم أهل الكرامات وقد صح عنه انه كان يحذر بعض قرابته بوقائع تكون لهم فتصح كما يقول وقد حذر يحيى ابن عمه زيد من مصرعه وعصاه فخرج وقتل بالجوزجان كما هو معروف وإذا كانت الكرامة تقع لغيرهم فما ظنك بهم علما ودينا وآثارا من النبوة وعناية من الله بالأصل الكريم تشهد لفروعه الطيبة وقد ينقل بين أهل البيت كثير من هذا الكلام غير منسوب إلى أحد وفي أخبار دولة العبيديين كثير منه وانظر ما حكاه ابن الرقيق في لقاء أبي عبد الله الشيعي لعبيد الله المهدي مع ابنه محمد الحبيب وما حدثاه به وكيف بعثاه إلى ابن حوشب داعيتهم باليمن فامره بالخروج إلى المغرب وبث الدعوة فيه على علم لقنه ان دعوته تتم هناك وان عبيد الله لما بني المهدية بعد استفحال دولتهم بإفريقية قال بنيتها ليعتصم بها الفواطم ساعة من نهار وأراهم موقف صاحب الحمار أبي يزيد بالمهدية وكان يسال عن منتهى موقفه حتى جاءه الخبر ببلوغه إلى المكان الذي عينه جده عبيد الله فأيقن بالظفر وبرز من البلد فهزمه واتبعه إلى ناحية الزاب فظفر به وقتله ومثل هذه الأخبار عندهم كثير اه وقال قبل ذلك بقليل في أوائل هذا الفصل بعد ما ذكر أمر الأخبار عن الحوادث الآتية ما لفظه: ووقع لجعفر وأمثاله من أهل البيت كثير من ذلك مستندهم فيه والله أعلم الكشف بما كانوا عليه من الولاية وإذا كان مثله لا ينكر من غيرهم من الأولياء في ذويهم وأعقابهم وقد قال ص إن فيكم محدثين فهم أولي الناس بهذه الرتب الشريفة والكرامات الموهوبة اه، وقال مصطفى صادق الرافعي المصري في كتابه بلاغة القرآن: انه لا يعرف في تاريخ العالم كتاب بلغت عليه الشروح والتفاسير ما بلغ من ذلك على القرآن الكريم حتى فسرته الروافض بالجفر على فساد ما يزعمون وسخافة ما يقولون وعلى سوء الدعوى فيما يدعون من علم باطنه بما وقع إليهم من ذلك الجفر واستنبط منه غيرهم إشارات من الغيب بضروب من الحساب كهذا الذي ينسبونه إلى الحسن بن علي من أن رسول الله ص رأى في رؤياه ملوك بني أمية فساءه ذلك فأنزل الله عليه ما يسري عنه من قوله ليلة القدر خير من ألف شهر، وهي مدة الدولة الأموية فقد كانت أيامها خالصة ثلاثا وثمانين سنة وأربعة أشهر مجموعها ألف شهر سواء اه وقال في الحاشية على لفظ الجفر: قال ابن قتيبة هو جلد جفر ادعوا انه قد كتب لهم الامام فيه كل ما يحتاجون إلى علمه وكل ما يكون إلى يوم القيامة. ثم نقل عنه أمثلة من تفسيرهم هي من الأكاذيب المختلفة لا نطيل بنقلها ثم أشار إلى ما في كشف الظنون ومقدمة ابن خلدون ثم قال وعندنا ان كل ذلك موضوع وباطل وان الكلام فيه أسلوب من أساليب القصص والمبالغة ولا تظن أن علم ما كان وما يكون شئ يسعه أو يسع الرمز إليه جلد ثور الخ اه.
أقول الظاهر من الأخبار أن الجفر كتاب فيه العلوم النبوية من حلال وحرام وأحكام وأصول ما يحتاج الناس إليه في أحكام دينهم وما يصلحهم في دنياهم والأخبار عن بعض الحوادث ويمكن أن يكون فيه تفسير بعض المتشابه من القرآن المجيد وأما عد الجفر علما من العلوم ويستنبط منه علم الحوادث المغيبة كما يفهم من كشف الظنون وغيره مما مر وكما ارتكز في أذهان بعض الناس فلم نطلع على ما يؤيده وكيف كان فوجود كتاب يسمى بالجفر منسوب إلى أمير المؤمنين علي ع متسالم عليه بين الشيعة وأهل السنة كما يعلم مما سبق فقول الرافعي حتى فسرته الروافض بالجفر إلى آخر ما نضح به اناؤه الذي لا يمكن أن ينضح إلا بما فيه سخافة منه وسوء دعوى فيما يدعيه أولا أن الشيعة لم تفسر القرآن بالجفر وإنما فسرته كما يفسره علماء المسلمين ولم يدعوا علم باطنه بما وقع إليهم من ذلك الجفر بل لم يدع أحد منهم أنه وقع إليه ذلك الجفر ولا أنه رآه نعم رووا أنه كان عند أئمة أهل البيت ع فليأتنا الرافعي برجل واحد من الشيعة قال إن الجفر عنده أو برجل منهم فسر القرآن بالجفر إن كان من الصادقين وهذه تفاسير الشيعة للقرآن الكريم معروفة وأكثرها مطبوعة كتفسير القمي ومجمع البيان وجمع الجوامع وتفسير أبي الفتوح الرازي والبرهان للسيد هاشم البحراني والتبيان للشيخ الطوسي وتفسير العياشي وغيرها فهل يستطيع الرافعي أن يجد في واحد منها أن الشيعة فسرت القرآن بالجفر وأما قوله واستنبط منه غيرهم إشارات من الغيب الخ فهو كسابقه لا حقيقة له والحديث الذي أشار إليه بقوله كهذا الذي ينسبونه إلى الحسن الخ معبرا عنه بعبارة التوهين والاستخفاف هو حديث يرويه الثقات عن النبي ص في أن الآية الشريفة نزلت في مدة ملك بني أمية وليس ذلك مستنبطا من الجفر ولا بضروب من الحساب فهذا الذي ساء الرافعي وعظم عليه أن تكون الآية نازلة في ملك أسياده بني أمية الأبرار الأتقياء أهل الأعمال المشهورة في الاسلام فطفق يعبر بعبارة الاستخفاف بقوله كهذا الذي ينسبونه واما ما نقله عن ابن قتيبة وقلده فيه كما هو الشأن في أكثر هذه التقولات التي يودعونها كتبهم فيقلد فيها اللاحق السابق من دون تحقيق ولا تمحيص فقوله إنهم ادعوا أنه كتب لهم الامام فيه كل ما يحتاجون إلى علمه الخ غير صحيح إذ لم يدع أحد منهم ذلك وانما رويت روايات مسندة ومر طرف منها تتضمن وجود ذلك عند أمير المؤمنين والأئمة من ولده ع فنقلوها كما رويت لهم ونقلها علماء أهل السنة وأيدوها كما سمعت عن كشف الظنون وابن خلدون ولكن الشنشنة الأخزمية فيما إذا ورد شئ فيه كرامة لأهل البيت ع أبت أن تقبل ذلك أو تسكت عنه أو تتناوله بغير التكذيب أو الاستبعاد أو القدح أو نحو ذلك فحملت الرافعي على أن يقول: وعندنا أن كل ذلك موضوع وباطل الخ معرضا عن كل ما نقله العلماء وأيد به ابن خلدون مما ليس قابلا للدفع مما عرفت ولا يظن الرافعي إن علم ما كان ويكون يسعه أو يسع الرمز إليه جلد ثور كأنه يريد جميع ما يحدث في الكون حتى النفخ في الرماد ولا يكتفي بالرمز إلى مهمات الأمور لا يظن الرافعي ذلك لأنه منقول عن أهل البيت مفاتيح باب مدينة العلم ويقول في حاشية كتابه المذكور بعد هذا الكلام بلا فاصل ما حاصله أن الملك نور الدين محمود بن زنكي عمل منبرا لبيت المقدس قبل فتحه بنيف وعشرين سنة وإن صاحب الروضتين ذكر أن هذا قد يكون كرامة وأنه أطلع على ما ذكره أبو الحكم بن يرجان الأندلسي في تفسيره فإنه أخبر عن فتح القدس في سنة كذا وعمر نور الدين إحدى عشرة سنة فكان كما أخبر، وأنه من عجائب ما اتفق لهذه الأمة المرحومة. كل هذا يعتقده الرافعي ويجزم به ولا يظن أن النبي ص يمكن أن يملي على