فعلت. فالأفعال بنظر العقلاء على نحوين: نحو يستحق المدح والذم، كرمي الشخص نفسه من شاهق. ونحو لا يستحق المدح والذم، بل لا يسند إلى الشخص القائم به الفعل، كما لو رمي شخص من شاهق. فلو لم تكن هناك صفة أخرى غير الإرادة ومقدماتها، للزم أن يكون الفعل الإرادي كغيره، فلا فرق بين حركة المرتعش وحركة غيره، وذلك لان حصول الإرادة ومقدماتها التي هي العلة التامة للفعل - كما يدعى - ليس أمرا بالاختيار، بل هو قهري الحصول، فالفعل الحاصل بها يكون كعلته قهريا لعدم انفكاكه عنها، فتكون الإرادة التي تنشأ منها الحركة كالمرض الذي ينشأ منه الارتعاش، فالفعلان بالنسبة إلى الشخص على حد سواء. فلا بد أن يكون السبب في الفرق المحسوس وجود صفة أخرى بين الإرادة والفعل يستطيع بها الشخص الفعل وعدمه، بحيث انه بعد الإرادة له ان يفعل وله أن لا يفعل. تسمى هذه الصفة أو الفعل النفسي بالاختيار أو حملة النفس أو مشيئة النفس، وهي المفرقة بين مثل حركة المرتعش وغيره، لأنه لا اختيار للمرتعش في حركته فليس له ان يفعل وان لا يفعل، بخلاف غيره فان له الاختيار، فتارة يفعل. وأخرى لا يفعل. وبذلك يستحق المدح والذم وغيرهما من آثار الفعل الاختياري.
وبهذا التقريب وعلى أساسه تنحل مشكلة الجبر، إذ يثبت توسط الاختيار بين أفعال الناس وإرادتهم، فلا جبر كما قد يتوهم. كما تنحل مشكلة التفويض به مع إضافة شئ بسيط. وعلى كل فليس ذلك محل بحثنا، انما المهم هو التنبيه على أن ذلك لا ينفع الأشاعرة.
اما على قول من لا يقول بوجود صفة غير الإرادة ومبادئها فواضح جدا.
واما بناء على الالتزام بوجود صفة أو فعل هو الاختيار المتوسط بين الإرادة والفعل فلان المفروض في كلامهم ان الصفة يعبر عنها بالكلام النفسي المدلول للكلام اللفظي، وليس الاختيار كلاما نفسيا، إذ لا دلالة للفظ عليه