وهذه الجهة لم تنقح في كلام الاعلام بالنحو اللازم، وقد وقع الخلط في كلامهم بين ما يرتبط بها وما لا يرتبط، ولا بد من تحقيق النيابة قبل التعرض لأصل الكلام في لزوم المباشرة وجواز الاستنابة. وتحقيق الحال في النيابة بنحو تعرف وجه الغموض الذي سنشير إليه في كلمات بعض الاعلام: ان الكلام فيما يرتبط بالنيابة..
تارة: يوقع في معنى النيابة وبيان حقيقة كون الشخص نائبا عن الاخر.
فهل النيابة تنزيل الشخص النائب نفسه منزلة المنوب عنه فيكون وجودا تنزيليا للمنوب عنه؟، أو انها تنزيل النائب عمله منزلة عمل المنوب عنه؟. أو انها لا ترتبط بالتنزيل، بل هي عبارة عن الاتيان بالعمل بداعي ترتب آثاره الوضعية والتكليفية في حق المنوب عنه كالاتيان بالصلاة بداعي ترتب سقوط الامر المتعلق بالمنوب عنه أو ترتب حصول الثواب عليه للمنوب عنه أو نحو ذلك؟.
ولا يخفى ان تحقيق معنى النيابة واختيار أحد هذه المعاني لا يرتبط بما نحن فيه أصلا، بل الكلام فيما نحن فيه من كون الأصل صحة النيابة في الفعل الواجب وعدمها جار على جميع هذه التقارير في معنى النيابة، فلا يهمنا فعلا تحقيق ذلك فله محل آخر.
وأخرى: يوقع الكلام في أن ظاهر الدليل المتكفل للامر بشئ هل تعلق الامر بالفعل أعم من أن يوجده المكلف مباشرة وتسببيا أو لا؟. وقبل ايضاح ذلك نشير إلى شئ وهو ان الأفعال التسبيبية الصادرة من غير المسبب على نحوين:
نحو ينسب إلى المسبب، كما ينسب إلى الفاعل على حد سواء كالقتل، فإنه لو سبب شخص ان يقتل آخر شخصا، فإنه يقال عرفا أنه قتل ذلك الشخص كما يقال ذلك لمن باشر القتل. ومثل هذا على قسمين: الأول: ما يكون له ظهور - ولو بواسطة القرينة العامة - في إرادة الفعل التسبيبي كالبناء