فالجامع بينهما هو ارتفاع التردد بها اما ابتداء أو بواسطة رفع منشأ التحير، بلا أن يكون لها نظر إلى تعيين الحكم المحتمل بأحد طرفيه.
ومن هنا يظهر الفرق بين المسائل الأصولية والمسائل الفقهية فان الثانية ما يكون نظرها إلى المحتمل، بمعنى ان مفادها نفس الحكم المحتمل، وهي بذلك لا ترفع التردد، إذ نفس الحكم لا يرفع التردد وانما دليله يرفعه وهو مسألة أصولية، فمقام إحداهما يختلف عن مقام الأخرى، فالفرق بينهما حقيقي وذاتي.
وبهذا التحقيق يندفع النقض بجملة من القواعد الفقهية العامة، كقاعدة ما لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده، وقاعدة الطهارة، وقاعدة لا ضرر، وقاعدة نفي العسر والحرج، ونحوها.
بدعوى: انه قد يستفاد من هذه القواعد حكم كلي، كاستفادة عدم الضمان في الهبة الفاسدة من قاعدة (ما لا يضمن)، فإنه حيث يشك في ذلك يرجع إلى هذه القاعدة ويستفاد منها عدم الضمان باعتبار عدم الضمان في الهبة الصحيحة.
وكاستفادة طهارة المتولد من الكلب والشاة غير الملحق بأحدهما، والمشكوك طهارته من قاعدة الطهارة.
وكاستفادة حرمة أو عدم وجوب الوضوء الضرري من قاعدة نفي الضرر.
وكاستفادة عدم وجوب الوضوء الحرجي من قاعدة نفي الحرج. فان المستفاد من هذه القواعد حكم كلي، ومقتضى ذلك دخول هذه القواعد في الأصول لأنها مما يستنبط بها حكم كلي.
وجه الاندفاع: ما عرفت من عدم كون الملاك في أصولية القاعدة ايصالها إلى حكم كلي لا جزئي، بل الملاك هو رفعها الحيرة مع كون نظرها إلى مقام غير الحكم المحتمل. فلا يتجه النقض بالتقريب المذكور.