منتقى الأصول - تقرير بحث الروحاني ، للحكيم - ج ١ - الصفحة ٣٤٩
والتحقيق: تمامية ما افاده المحقق النائيني من عدم امكان تصور الجامع سوى الزمان.
بيان ذلك: انه قد عرفت فيما تقدم ان المعاني الحرفية من سنخ الوجود لا المفاهيم. وعليه فكل منها يغاير الاخر لتغاير الوجودين، فلا يتصور الجامع بين سنخين من النسبة والربط. نعم الجامع بين افراد سنخ واحد من الربط ممكن كالجامع بين النسب الظرفية، وهو (النسبة الظرفية) وغيرها، ومن الظاهر أن نسبة المبدأ إلى الذات في حال التلبس تختلف عنها في حال الانقضاء، فان الربط بين المبدأ والذات في حال التلبس ربط حقيقي واقعي، وفي حال الانقضاء ربط مسامحي ادعائي، إذ لا ارتباط حقيقة بينهما عند انعدام المبدأ لانعدام أحد طرفي النسبة. وعليه، فسنخ نسبة المبدأ إلى الذات حال التلبس يختلف عن سنخ نسبته إليها في حال الانقضاء، فالوضع للأعم مع أخذ النسبة في مفهوم المشتق يتوقف على تصور جامع بين هاتين النسبتين يشار به إليهما ويوضع اللفظ إليها بواسطته، وقد عرفت أن الجامع بين سنخين من النسبة مفقود لتغاير انحاء النسب وتباينها.
ولعل نظر المحقق النائيني إلى هذا المعنى.
وعليه، فيختص المشتق بالوضع لخصوص المتلبس كما لا يخفى. ومن هنا يظهر عدم وصول النوبة إلى الاستدلال على الوضع لخصوص المتلبس بالتبادر وصحة السلب ونحوهما، فلاحظ جيدا وتدبر (1).
.

(1) في بيان الحق لمسألة المشتق:
ذهب المحقق النائيني (قدس سره) إلى استحالة الوضع للأعم على البساطة وعلى التركيب، لعدم تصور الجامع.
ويمكن المناقشة بذلك بدوا..
اما على البساطة، فلانه انما يتم كلامه لو كان معنى المشتق هو المبدأ لا بشرط، لعدم تصور الجامع حينئذ، اما إذا كان معناه واجدية الذات للصفة فيمكن تصور الجامع كما لا يخفى.
واما على التركيب، فيرد عليه:
أولا: النقض بقضايا الاحكام المثبتة للحكم على الموضوع بوجوده الحدوثي واستمرار الحكم بعد عدم الموضوع، كالتغير في نجاسة الماء.
وثانيا: بالحل، فإنه لا نحتاج إلى تصور الجامع في الموضوع، بل الملحوظ وجود موضوع المطلق وتلبس الذات بالمبدأ مطلقا ولو انقضى عنها بعد ذلك، ونقول في الوضع كذلك لأنه من سنخ الحكم على المعنى فلاحظ.
وعليه، فلا بد من ايقاع الكلام في مرحلة الاثبات، وقد ذكر في الكفاية وجوها لاثبات الوضع للمتلبس خاصة. وتعرض في ضمن استدلالاته للاستدلال بصحة السلب. وأورد عليه في ذيل كلامه وأجاب عنه.
وفي الجواب نظر، يرجع إلى تسليمه الاشكال لو رجع القيد إلى المسلوب، فان التسليم ممنوع، فان رجوعه لا يضر، لان السلب إذا انصب على الموصوف، فان كانت الصفة لازمة كان مقتضاه نفي الطبيعة، كما لو أخذ بياض زيد فقيل انه ليس انسان أبيض، فان معناه نفي الانسانية عنه. وما نحن فيه كذلك، لان الفرض تحقق المبدأ، فقولنا: (ليس زيد بضارب الآن) مع تحقق الوصف فيه يكشف عن عدم اسناد الطبيعة بقول مطلق إليه فلاحظ.
ثم إن ظاهر الكفاية اختيار صحة السلب مقيدا، وتسليم عدم سداد صحة السلب المطلق. وهو قابل للخدشة أيضا، إذ يصح ان يقال: (زيد ليس بضارب) مع الانقضاء. ودعوى: انه لا يصح ان يقال: (زيد ضارب أمس). تندفع: بما عرفت من عدم تكفل هذه الجملة للحمل أصلا، بل تتكفل صلاحية الحمل أمس، فلا تتكفل الحمل الفعلي، إذ الحمل هو الاتحاد في الوجود، وضارب أمس معدوم، فكيف يتحد مع زيد الفعلي. وعليه، فيصح السلب المطلق وعدم الحمل المطلق الآن بالنسبة إلى زيد، فيقال: (زيد ليس بضارب) ولا اشكال فيه.
وكيف كان، فقد تحصل من جميع ما تقدم: امكان الوضع للمتلبس وامكان الوضع للأعم، ولكن الدليل اثباتا يساعد على الأول. هذا والانصاف تمامية ما افاده المحقق النائيني مع عدم تصور الوضع للأعم.
واما ما ذكرناه سابقا - في المتن - من قياس الوضع بجعل الحكم على الموضوع بملاحظة حدوثه خاصة.
ففيه: ان باب الوضع يختلف عن باب الحكم، لان الحكم يتعلق بالموضوع نحو القضية الحقيقية ويصير فعليا بفعلية موضوعه، والملحوظ في الموضوع هو وجود العنوان الخارجي لا نفس المفهوم بما هو.
بخلاف الوضع فإنه يرتبط بالمفهوم ولا نظر له إلى الخارج، ولذا تتحقق العلقة الوضعية بالفعل ولو لم يكن للمفهوم وجود أصلا، فالموضوع له هو المفهوم. ومن الواضح ان التلبس والانقضاء من عوارض الوجود لا من عوارض المفهوم، فالموضوع له هو الطبيعي وهو لا يتصف بالتلبس والانقضاء، وما يتصف بالتلبس والانقضاء لا يوضع له اللفظ وعليه، فإذا فرض ملاحظة مفهوم الذات المتلبسة ووضع اللفظ لها فلا تنطبق مع غير المتلبسة، والوضع للذات الأعم لا مجال له، لان نفس مفهوم الذات لم يوضع لها الذات، بل مع ملاحظة ارتباطها من مبدأ، ولا جامع بين التلبس والانقضاء كي يوضع للمفهوم الجامع.
ولا بأس بالإشارة إلى وجوه تصور الجامع وملاحظتها، فقد ادعي وجود الجامع بوجوه:
الأول: دعوى أنه هو الذات المتصفة بنحو الموجبة الجزئية في قبال عدم الاتصاف بالمرة وهي تصدق على المنقضي والمتلبس بالفعل.
وفيه: ان مفهوم الاتصاف لم يلحظ في الموضوع له جزما، وانما يراد به واقعه، وهو النسبة، ولا جمع بين النسبتين كما لا يخفى، لان النسبة معنى حرفي ولا يتصور الجامع في الخارج لتباين النسب.
الثاني: الالتزام بالجامع العنواني نظير ما يلتزم به في الوجوب التخييري كعنوان أحدهما..
وفيه: انه يلزم وضع الهيئة لهذا العنوان ومقتضاه الترادف وهو باطل جزما مع أنه معنى اسمي والهيئة من الحروف. ثم إن أريد أحدهما المعين في الواقع فهذا غير جامع. وان أريد على سبيل البدل فيلزم تعدد الموضوع له وهو خلف. مع أنه لا وجود خارجا لو أريد واحد منهما لا كليهما. فتأمل.
الثالث: أن يكون الجامع من وجدت فيه الصفة.
وفيه: انه يلزم عدم صحة: (زيد ضارب الآن) لعدم صدق الماضي في حقه، مع استلزامه لبعض المحاذير الأخرى التي أشار إليها المحقق الأصفهاني فراجع.
واما جواب الكفاية عن استدلال للأعم بالآية الكريمة. فهو قابل للمناقشة، بان يمكن للخصم ان يدعي ان استدلال الإمام (ع) كان بسبب الظهور الأولى للكلام وضميمة ظهور الكلام في فعلية الموضوع عند فعلية حكمه. نعم يثبت ان عنوان الظالم كان ينطبق على الخلفاء.
واما دعوى كون المورد ليس من تلك الموارد، فهذا خلاف الظاهر الأولي في كل قضية. ولا بد أن يكون احتجاجه بملاحظة ذلك والا سهل على الخصم انكاره.
فالحق في الجواب: ان سؤال إبراهيم (ع) لا يمكن أن يكون لمن هو متلبس بالظلم فعلا ومن ينطبق عليه عنوان الظالم فعلا، فلا بد أن يكون للأعم من المتلبس سابقا ولمن لم يتلبس أصلا. فالجواب هو التفصيل فالمراد بالآية هو خصوص المتلبس سابقا فلاحظ.
ثم إنه لا عبرة لبعض الأجوبة المذكورة عن الاستدلال بالآية لوضوح الاشكال فيها.
واما الاستدلال على الوضع للمتلبس أو نفي الثمرة في الخلاف بعدم الاشكال في نفي الحكم بانقضاء المتلبس، كما في موارد الحيض. فهو ضعيف، لان فعلية الحكم تدور مدار فعلية الموضوع، فإذا كان الموضوع هو الأعم كان فعليا. واحكام الحيض انما لا تثبت، للأدلة القطعية على أن المانع حدث الحيض لا عنوان الحائض. فلاحظ.
(٣٤٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 344 345 346 347 348 349 353 354 355 356 357 ... » »»
الفهرست