لإصلاح حال المريض، فهل يجوز عند العقل أن يرجع المريض إلى الطبيب، ويطالبه بالأجر على إطاعة أوامره ونواهيه - من شرب الأدوية البشعة، وترك المشتهيات النفسانية - ويقول: إن حمل المشقة على الغير بلا أجر قبيح. وهذا واضح لدى التفكر في حال العبد مع الله، ونسبة العبودية إلى الربوبية.
ولعمري إن القول بالاستحقاق لا يخلو عن جسارة على ساحته المقدسة، وعجب بالأعمال، وجهل بحقيقة الحال.
وأما استحقاق العقاب في مخالفة المولى، فهو مما حكم به العقل؛ فإن الخروج عن إطاعة المولى هتك لمقام الربوبية، وفي مثله يحكم العقل بالاستحقاق، ومعناه أنه لو عذبه المولى يكون في محله، لا أنه يعذبه [حتما]؛ فإن باب الرحمة والعفو واسعة.
هذا، ولو التزمنا بالاستحقاق في امتثال الواجبات النفسية، فهل امتثال الأوامر الغيرية - على فرض وجوب المقدمة - يوجب الاستحقاق (1)، أم لا (2)؟
التحقيق: - حسبما عرفت من أن الواجبات الغيرية لا نفسية لها، بل باعتبار يمكن سلب الوجوب عنها - عدم الاستحقاق.
ولكن هاهنا أمر آخر، وهو أن إتيان المقدمات مع عدم تعلق الوجوب الغيري بها - كما هو التحقيق - إذا كان لأجل الإتيان بذي المقدمة، يوجب استحقاق المثوبة؛ فإن العقل لا يفرق بين الإتيان بالواجب النفسي، وبين الإتيان بالواجب الغيري؛ لأجل إطاعة المولى، لا للشهوات، فإذا كان الباعث للعبد نحو المقدمة إطاعة أمر ذي المقدمة، ولا داعي له إلا الامتثال فيستحق المثوبة على القول بالاستحقاق؛ فإنه تحمل المشقة له تعالى، والعقل يجد الفرق بين