وانتصاب (متقابلين) على الحالية من الضمير في مكرمون، أو من الضمير في متعلق على سرر. قال عكرمة ومجاهد: معنى التقابل أنه لا ينظر بعضهم في قفا بعض، وقيل إنها تدور بهم الأسرة كيف شاءوا فلا يرى بعضهم قفا بعض. قرأ الجمهور " سرر " بضم الراء. وقرأ أبو السماك بفتحها، وهي لغة بعض تميم. ثم ذكر سبحانه صفة أخرى لهم فقال (يطاف عليهم بكأس من معين) ويجوز أن تكون هذه الجملة مستأنفة جوابا عن سؤال مقدر، ويجوز أن تكون في محل نصب على الحال من ضمير متقابلين، والكأس عند أهل اللغة اسم شامل لكل إناء فيه الشراب، فإن كان فارغا فليس بكأس. وقال الضحاك والسدي: كل كأس في القرآن فهي الخمر. قال النحاس: وحكى من يوثق به من أهل اللغة أن العرب تقول للقدح إذا كان فيه خمر كأس، فإذا لم يكن فيه خمر فهو قدح كما يقال للخوان إذا كان عليه طعام مائدة، فإذا لم يكن عليه طعام لم يقل له مائدة، ومن معين متعلق بمحذوف هو صفة لكأس. قال الزجاج: بكأس من معين: أي من خمر تجري كما تجري العيون على وجه الأرض، والمعين الماء الجاري، وقوله (بيضاء لذة للشاربين) صفتان لكأس. قال الزجاج: أي ذات لذة فحذف المضاف، ويجوز أن يكون الوصف بالمصدر لقصد المبالغة في كونها لذة فلا يحتاج إلى تقدير المضاف. قال الحسن: خمر الجنة أشد بياضا من اللبن له لذة لذيذة، يقال شراب لذ ولذيذ كما يقال نبات غض وغضيض، ومنه قول الشاعر: بحديثها اللذ الذي لو كلمت * أسد الفلاة به أتين سراعا واللذيذ: كل شئ مستطاب، وقيل البيضاء: هي التي لم يعتصرها الرجال. ثم وصف هذه الكأس من الخمر بغير ما يتصف به خمر الدنيا، فقال (لا فيها غول) أي لا تغتال عقولهم فتذهب بها ولا يصيبهم منها مرض ولا صداع (ولا هم عنها ينزفون) أي يسكرون: يقال نزف الشارب فهو منزوف ونزيف إذا سكر، ومنه قول امرئ القيس: وإذا هي تمشي كمشي النزيف * يصرعه بالكثيب البهر وقال أيضا: * نزيف إذا قامت لوجه تمايلت * ومنه قول الآخر:
فلثمت فاها آخذا بقرونها * شرب النزيف ببرد ماء الحشرج قال الفراء: العرب تقول ليس فيها غيلة وغائلة وغول سواء. وقال أبو عبيدة: الغول أن تغتال عقولهم، وأنشد قول مطيع بن إياس:
وما زالت الكأس تغتالهم * وتذهب بالأول الأول وقال الواحدي: الغول حقيقته الإهلاك، يقال غاله غولا واغتاله: أي أهلكه، والغول كل ما اغتالك:
أي أهلكك. قرأ الجمهور " ينزفون " بضم الياء وفتح الزاي مبنيا للمفعول. وقرأ حمزة والكسائي بضم الياء وكسر الزاي من أنزف الرجل: إذا ذهب عقله من السكر فهو نزيف ومنزوف ومنزف، يقال أحصد الزرع: إذا حان حصاده، وأقطف الكرم: إذا حان قطافه. قال الفراء: من كسر الزاي فله معنيان، يقال أنزف الرجل: إذا فنيت خمره، وأنزف: إذا ذهب عقله من السكر، وتحمل هذه القراءة على معنى لا ينفد شرابهم لزيادة الفائدة. قال النحاس: والقراءة الأولى أبين وأصح في المعنى، لأن معنى لا ينزفون عند جمهور المفسرين: لا تذهب عقولهم، فنفى الله عز وجل عن خمر الجنة الآفات التي تلحق في الدنيا من خمرها من الصداع والسكر. وقال الزجاج وأبو علي الفارسي معنى: لا ينزفون بكسر الزاي: لا يسكرون. قال المهدوي: لا يكون معنى ينزفون يسكرون، لأن قبله (لا غول فيها) أي لا تغتال عقولهم فيكون تكريرا، وهذا يقوي ما قاله قتادة: إن الغول وجع البطن وكذا روى