من أنه يكره للمرأة أن تضع خمارها عند عمها أو خالها، والأولى أن يقال أنه سبحانه اقتصر ههنا على بعض ما ذكره من المحارم في سورة النور اكتفاء بما تقدم (ولا نسائهن) هذه الإضافة تقتضي أن يكون المراد بالنساء المؤمنات، لأن الكافرات غير مأمونات على العورات، والنساء كلهن عورة (ولا ما ملكت أيمانهن) من العبيد والإماء، وقيل الإماء خاصة، ومن لم يبلغ من العبيد، والخلاف في ذلك معروف. وقد تقدم في سورة النور ما فيه كفاية.
ثم أمرهن سبحانه بالتقوى التي هي ملاك الأمر كله. (و) المعنى (اتقين) الله في كل الأمور التي من جملتها ما هو مذكور هنا (إن الله كان على كل شئ شهيدا) لم يغب عنه شئ من الأشياء كائنا ما كان، فهو مجاز للمحسن بإحسانه وللمسئ بإسائته.
وقد أخرج البخاري ومسلم عن أنس قال: قال عمر بن الخطاب: يا رسول الله إن نساءك يدخل عليهن البر والفاجر فلو حجبتهن، فأنزل الله آية الحجاب. وفي لفظ أنه قال عمر: يا رسول الله يدخل عليك البر والفاجر، فلو أمرت أمهات المؤمنين بالحجاب، فأنزل الله آية الحجاب. وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن أنس قال " لما تزوج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم زينب بنت جحش دعا القوم فطعموا، ثم جلسوا يتحدثون وإذا هو كأنه يتهيأ للقيام فلم يقوموا، فلما رأى ذلك قام، فلما قام قام من قام وقعد ثلاثة نفر، فجاء النبي صلى الله عليه وآله وسلم ليدخل فإذا القوم جلوس، ثم إنهم قاموا فانطلقت فجئت فأخبرت النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنهم قد انطلقوا، فجاء حتى دخل، فذهبت أدخل فألقي الحجاب بيني وبينه، فأنزل الله (يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي) الآية. وأخرج ابن جرير عن عائشة أن أزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم كن يخرجن بالليل إذا تبرزن إلى المناصع، وهو صعيد أفيح، وكان عمر بن الخطاب يقول لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أحجب نساءك، فلم يكن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يفعل، فخرجت سودة بنت زمعة ليلة من الليالي عشاء، وكانت امرأة طويلة، فناداها عمر بصوته الأعلى: قد عرفناك يا سودة حرصا على أن ينزل الحجاب، فأنزل الله الحجاب قال (يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي) الآية. وأخرج ابن سعد عن أنس قال: نزل الحجاب مبتني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بزينب بنت جحش، وذلك سنة خمس من الهجرة، وحجب نساءه من يومئذ وأنا ابن خمس عشرة سنة. وكذا أخرج ابن سعد عن صالح بن كيسان، وقال: نزل الحجاب على نسائه في ذي القعدة سنة خمس من الهجرة، وبه قال قتادة والواقدي. وزعم أبو عبيدة وخليفة بن خياط أن ذلك كان في سنة ثلاث. وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس في قوله (وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله) قال: نزلت في رجل هم أن يتزوج بعض نساء النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعده. قال سفيان: وذكروا أنها عائشة. وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي قال: بلغنا أن طلحة بن عبيد الله قال: أيحجبنا محمد عن بنات عمنا ويتزوج نساءنا من بعدنا؟ لئن حدث به حدث لنتزوجن نساءه من بعده، فنزلت هذه الآية. وأخرج عبد الرزاق وعبد بن عيد وابن المنذر عن قتادة قال: قال طلحة بن عبيد الله: لو قبض النبي صلى الله عليه وآله وسلم لتزوجت عائشة. فنزلت. وأخرج ابن سعد عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم قال: نزلت في طلحة لأنه قال: إذا توفي النبي صلى الله عليه وآله وسلم تزوجت عائشة. قال ابن عطية: وهذا عندي لا يصح على طلحة ابن عبيد الله. قال القرطبي: قال شيخنا الإمام أبو العباس: وقد حكى هذا القول عن بعض فضلاء الصحابة وحاشاهم عن مثله، وإنما الكذب في نقله، وإنما يليق مثل هذا القول بالمنافقين الجهال. وأخرج البيهقي في السنن عن ابن عباس قال: قال رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: لو قد مات رسول الله صلى الله