أو اللهم صلي على محمد وسلم. ومن أراد أن يصلي عليه ويسلم بصفة من الصفات التي ورد التعليم بها والإرشاد إليها فذلك أكمل، وهي صفات كثيرة قد اشتملت عليها كتب السنة المطهرة، وسيأتي بعضها آخر البحث، وسيأتي الكلام في الصلاة على الآل، وكان ظاهر هذا الأمر بالصلاة والتسليم في الآية أن يقول القائل: صليت عليه وسلمت عليه، أو الصلاة عليه والسلام عليه، أو عليه الصلاة والتسليم، لأن الله سبحانه أمرنا بإيقاع الصلاة عليه والتسليم منا، فالامتثال هو أن يكون ذلك على ما ذكرنا، فكيف كان الامتثال لأمر الله لنا بذلك أن نقول: اللهم صل عليه وسلم بمقابلة أمر الله لنا بأمرنا له بأن يصلى عليه ويسلم عليه. وقد أجيب عن هذا بأن الصلاة والتسليم لما كانتا شعارا عظيما للنبي صلى الله عليه وآله وسلم وتشريفا كريما وكلنا ذلك إلى الله عز وجل وأرجعناه إليه، وهذا الجواب ضعيف جدا. وأحسن ما يجاب به أن يقال: إن الصلاة والتسليم المأمور بهما في الآية هما أن نقول:
اللهم صل عليه وسلم، أو نحو ذلك مما يؤدي معناه كما بينه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لنا، فاقتضى ذلك البيان في الأحاديث الكثيرة أن هذه هي الصلاة الشرعية.
واعلم أن هذه الصلاة من الله على رسوله وإن كان معناها الرحمة فقد صارت شعارا له يختص به دون غيره، فلا يجوز لنا أن نصلي على غيره من أمته كما يجوز لنا أن نقول: اللهم ارحم فلانا أبو رحم الله فلانا، وبهذا قال جمهور العلماء مع اختلافهم هل هو محرم، أو مكروه كراهة شديدة، أو مكروه كراهة تنزيه على ثلاثة أقوال.
وقد قال ابن عباس كما رواه عنه ابن أبي شيبة والبيهقي في الشعب لا تصلح الصلاة على أحد إلا على النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولكن يدعى للمسلمين والمسلمات بالاستغفار. وقال قوم: إن ذلك جائز لقوله تعالى - وصلي عليهم إن صلاتك سكن لهم - ولقوله - أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة - ولقوله - هو الذي يصلي عليكم وملائكته - ولحديث عبد الله بن أبي أوفى الثابت في الصحيحين وغيرهما قال " كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا أتاه قوم بصدقتهم قال: اللهم صل عليهم، فأتاه أبي بصدقته فقال: اللهم صلي على آل أبي أوفى " ويجاب عن هذا بأن هذا الشعار الثابت لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم له أن يخص به من شاء، وليس لنا أن نطلقه على غيره. وأما قوله تعالى - هو الذي يصلي عليكم وملائكته - وقوله - أولئك عليهم صلوات من ربهم - فهذا ليس فيه إلا أن الله سبحانه يصلي على طوائف من عباده كما يصلي على من صلى على رسوله مرة واحدة عشر صلوات، وليس في ذلك أمر لنا ولا شرعه الله في حقنا، بل لم يشرع لنا إلا الصلاة والتسليم على رسوله. وكما أن لفظ الصلاة على رسول الله شعار له، فكذا لفظ السلام عليه. وقد جرت عادة جمهور هذه الأمة والسواد الأعظم من سلفها وخلفها على الترضي عن الصحابة والترحم على من بعدهم والدعاء لهم بمغفرة الله وعفوه كما أرشدنا إلى ذلك بقوله سبحانه - والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا - ثم لما ذكر سبحانه ما يجب لرسوله من التعظيم ذكر الوعيد الشديد للذين يؤذونه فقال (إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة) قيل المراد بالأذى هنا هو فعل ما يكرهانه من المعاصي لاستحالة التأذي منه سبحانه. قال الواحدي: قال المفسرون هم المشركون واليهود والنصارى وصفوا الله بالولد فقالوا - عزير ابن الله، والمسيح ابن الله، والملائكة بنات الله، وكذبوا رسول الله، وشجوا وجهه وكسروا رباعيته وقالوا مجنون شاعر كذاب ساحر. قال القرطبي: وبهذا قال جمهور العلماء. وقال عكرمة: الأذية لله سبحانه بالتصوير والتعرض لفعل مالا يفعله إلا الله بنحت الصور وغيرها. وقال جماعة: إن الآية على حذف مضاف، والتقدير: إن الذين يؤذون أولياء الله، وأما أذية رسوله فهي كل ما يؤذيه من الأقوال والأفعال،