الحال من فاعل يأتون. أو من المعوقين. وقال الفراء: يجوز في نصبه أربعة أوجه: منها النصب على الذم، ومنها بتقدير فعل محذوف: أي يأتونه أشحة. قال النحاس: ولا يجوز أن يكون العامل فيه للمعوقين ولا القائلين لئلا يفرق بين الصلة والموصول (فإذا جاء الخوف رأيتهم ينظرون إليك تدور أعينهم) أي تدور يمينا وشمالا، وذلك سبيل الجبان إذا شاهد ما يخافه (كالذي يغشى عليه من الموت) أي كعين الذي يغشى عليه من الموت، وهو الذي نزل به الموت وغشيته أسبابه، فيذهل ويذهب عقله ويشخص بصره فلا يطرف، كذلك هؤلاء تشخص أبصارهم لما يلحقهم من الخوف، ويقال للميت إذا شخص بصره: دارت عيناه، ودارت حماليق عينيه، والكاف نعت مصدر محذوف (فإذا ذهب الخوف سلقوكم بألسنة حداد) يقال سلق فلانا فلانا بلسانه: إذا أغلظ له في القول مجاهرا. قال الفراء: أي آذوكم بالكلام في الأمن بألسنة سليطة ذربة، ويقال: خطيب مسلاق ومصلاق إذا كان بليغا، ومنه قول الأعشى:
فيهم المجد والسماحة والنج * دة فيهم والخاطب السلاق قال القتيبي: المعنى آذوكم بالكلام الشديد، والسلق الأذى، ومنه قول الشاعر:
ولقد سلقت هوازنا * بنو أهل حتى انحنينا قال قتادة: معنى الآية: بسطوا ألسنتهم فيكم في وقت قسمة الغنيمة يقولون: أعطنا فإنا قد شهدنا معكم، فعند الغنيمة أشح قوم وأبسطهم لسانا، ووقت البأس أجبن قوم وأخوفهم. قال النحاس: وهذا قول حسن، وانتصاب (أشحة على الخير) على الحالية من فاعل سلقوكم، ويجوز أن يكون نصبه على الذم. وقرأ ابن أبي عبلة برفع أشحة، والمراد هنا أنهم أشح على الغنيمة يشاحون كان المسلمين عند القسمة، قاله يحيى بن سلام. وقيل على المال أن ينفقوه في سبيل الله. قاله السدي. ويمكن أن يقال معناه: أنهم قليلو الخير من غير تقييد بنوع من أنواعه والإشارة بقوله (أولئك) إلى الموصوفين بتلك الصفات (لم يؤمنوا) إيمانا خالصا بل هم منافقون: يظهرون الإيمان ويبطنون الكفر (فأحبط الله أعمالهم) أي أبطلها بمعنى أظهر بطلانها، لأنها لم تكن لهم أعمال تقتضي الثواب حتى يبطلها الله. قال مقاتل: أبطل جهادهم لأنه لم يكن في إيمان (وكان ذلك على الله يسيرا) أي وكان ذلك الإحباط لأعمالهم، أو كان نفاقهم على الله هينا (يحسبون الأحزاب لم يذهبوا) أي يحسب هؤلاء المنافقون لجبنهم أن الأحزاب باقون في معسكرهم لم يذهبوا إلى ديارهم، وذلك لما نزل بهم من الفشل والروع (وإن يأت الأحزاب) مرة أخرى بعد هذه المرة (يودوا لو أنهم بأدون في الأعراب) أي يتمنون أنهم في بادية الأعراب لما حل بهم من الرهبة، والبادي خلاف الحاضر، يقال: بدا يبدو بداوة إذا خرج إلى البادية (يسألون عن أنبائكم) أي عن أخباركم وما جرى لكم، كل قادم عليهم من جهتكم، أو يسأل بعضهم بعضا عن الأخبار التي بلغته من أخبار الأحزاب ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. والمعنى: أنهم يتمنون أنهم بعيد عنكم يسألون عن أخباركم من غير مشاهدة للقتال لفرط جبنهم وضعف نياتهم (ولو كانوا فيكم ما قاتلوا إلا قليلا) أي لو كانوا معكم في هذه الغزوة مشاهدين للقتال ما قاتلوا معكم إلا قتالا قليلا خوفا من العار وحمية على الديار (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة) أي قدوة صالحة، يقال لي في فلاة أسوة: أي لي به، والأسوة من الائتساء، كالقدوة من الاقتداء: اسم يوضع موضع المصدر. قال الجوهري: والأسوة والإسوة بالضم والكسر، والجمع أسى وإسى. قرأ الجمهور " أسوة " بالضم للهمزة، وقرأ عاصم بكسرها، وهما لغتان كما قال الفراء وغيره.