إجابة دعاء المضطر إذا دعاه، وأخبر بذلك عن نفسه، والوجه في إجابة دعاء المضطر أن ذلك الاضطرار الحاصل له يتسبب عنه الاخلاص وقطع النظر عما سوى الله، وقد أخبر الله سبحانه بأنه يجيب دعاء المخلصين له الدين وإن كانوا كافرين فقال - حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم بريح طيبة وفرحوا بها جاءتها ريح عاصف وجاءهم الموج من كل مكان وظنوا أنهم أحيط بهم دعوا الله مخلصين له الدين لئن أنجيتنا وإن من هذه لنكونن من الشاكرين - وقال - فلما نجاهم إلى البر إذا هم يشركون - فأجابهم عند ضرورتهم وإخلاصهم مع علمه بأنهم سيعودون إلى شركهم (ويكشف السوء) أي الذي يسوء العبد من غير تعيين، وقيل هو الضر، وقيل هو الجور (ويجعلكم خلفاء الأرض) أي يخلف كل قرن منكم القرن الذي قبله بعد انقراضهم، والمعنى: يهلك قرنا وينشئ آخرين، وقيل يجعل أولادكم خلفا منكم، وقيل يجعل المسلمين خلفا من الكفار ينزلون أرضهم وديارهم (أإله مع الله) الذي يوليكم هذه النعم الجسام (قليلا ما تذكرون) أي تذكرا قليلا ما تذكرون. قرأ الجمهور بالفوقية على الخطاب.
وقرأ أبو عمرو وهشام ويعقوب بالتحتية على الخبر ردا على قوله " بل أكثرهم لا يعلمون " واختار هذه القراءة أبو حاتم (أمن يهديكم في ظلمات البر والبحر) أي يرشدكم في الليالي المظلمات إذا سافرتم في البر أو البحر. وقيل المراد: مفاوز البر التي لا أعلام لها ولجج البحار، وشبهها بالظلمات لعدم ما يهتدون به فيها (ومن يرسل الرياح نشرا بين يدي رحمته) والمراد بالرحمة هنا المطر: أي يرسل الرياح بين يدي المطر، وقبل نزوله (أإله مع الله) يفعل ذلك ويوجده (تعالى الله عما يشركون) أي تنزه وتقدس عن وجود ما يجعلونه شريكا له (أم من يبدؤا الخلق ثم يعيده) كانوا يقرون بأن الله سبحانه هو الخالق فألزمهم الإعادة: أي إذا قدر على الابتداء قدر على الإعادة (ومن يرزقكم من السماء والأرض) بالمطر والنبات: أي هو خير أم ما تجعلونه شريكا له مما لا يقدر على شئ من ذلك (أإله مع الله) حتى تجعلونه شريكا له (قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين) أي حجتكم على أن الله سبحانه شريكا، أو هاتوا حجتكم أن ثم صانعا يصنع كصنعه، وفي هذا تبكيت لهم وتهكم بهم (قل لا يعلم من في السماوات والأرض الغيب إلا الله) أي لا يعلم أحد من المخلوقات الكائنة في السماوات والأرض الغيب الذي استأثر الله بعلمه، والاستثناء في قوله إلا الله منقطع: أي لكن الله يعلم ذلك، ورفع ما بعد إلا مع كون الاستثناء منقطعا هو على اللغة التميمية كما في قولهم * إلا اليعافير وإلا العيس * وقيل إن فاعل يعلم هو ما بعد إلا، ومن في السماوات مفعوله، والغيب بدل من من: أي لا يعلم غيب من في السماوات والأرض إلا الله، وقيل هو استثناء متصل من من. وقال الزجاج: إلا الله بدل من من. قال الفراء: وإنما رفع ما بعد إلا لأن ما بعدها خبر كقولهم ما ذهب أحد إلا أبوك وهو كقول الزجاج. قال الزجاج: ومن نصب نصب على الاستثناء (وما يشعرون أيان يبعثون) أي لا يشعرون متى ينشرون من القبور، وأيان مركبة من أي وإن. وقد تقدم تحقيقه، والضمير للكفرة. وقرأ السلمي إيان بكسر الهمزة، وهي لغة بني سليم وهي منصوبة بيبعثون ومعلقة ليشعرون، فتكون هي وما بعدها في محل نصب بنزع الخافض: أي وما يشعرون بوقت بعثهم، ومعنى أيان معنى متى (بل ادارك علمهم في الآخرة). قرأ الجمهور " ادارك " وأصل ادارك تدارك أدغمت التاء في الدال وجئ بهمزة الوصل ليمكن الابتداء بالساكن. وقرأ أبو جعفر وابن كثير وأبو عمر وحميد " بل أدرك " من الإدراك. وقرأ عطاء بن يسار وسليمان بن يسار والأعمش " بل أدرك " بفتح لام بل وتشديد الدال. وقرأ ابن محيصن " بل أدرك " على الاستفهام. وقرأ ابن عباس وأبو رجاء وشيبة والأعمش والأعرج " بلى أدارك " بإثبات الياء في بل وبهمزة قطع