وتشديد الدال. وقرأ أبي " بل تدارك " ومعنى الآية: بل تكامل علمهم في الآخرة لأنهم رأوا كل ما وعدوا به وعاينوه. وقيل معناه: تتابع علمهم في الآخرة والقراءة الثانية معناها كمل علمهم في الآخرة مع المعاينة وذلك حين لا ينفعهم العلم لأنهم كانوا في الدنيا مكذبين. وقال الزجاج: إنه على معنى الإنكار، واستدل على ذلك بقوله فيما بعد (بل هم منها عمون) أي لم يدرك علمهم علم الآخرة، وقيل المعنى: بل ضل وغاب علمهم في الآخرة فليس لهم فيها علم، ومعنى القراءة الثالثة كمعنى القراءة الأولى فافتعل وتفاعل وقد يجيئان لمعنى، والقراءة الرابعة هي بمعنى الإنكار. قال الفراء: وهو وجه حسن كأنه وجهه إلى المكذبين على طريق الاستهزاء بهم، وفي الآية قراءات أخر لا ينبغي الاشتغال بذكرها وتوجيهها (بل هم في شك منها) أي بل هم اليوم في الدنيا في شك من الآخرة، ثم أضرب عن ذلك إلى ما هو أشد منه فقال (بل هم منها عمون) فلا يدركون شيئا من دلائلها لاختلال بصائرهم التي يكون بها الإدراك، وعمون جمع عم: وهو من كان أعمى القلب، والمراد بيان جهلهم بها على وجه لا يهتدون إلى شئ مما يوصل إلى العلم بها، فمن قال: إن معنى الآية الأولى أعني " بل ادارك علمهم في الآخرة " أنه كمل علمهم وتم مع المعاينة فلا بد من حمل قوله " بل هم في شك " الخ على ما كانوا عليه في الدنيا، ومن قال: إن معنى الآية الأولى الاستهزاء بهم والتبكيت لهم لم يحتج إلى تقييد قوله " بل هم في شك " الخ بما كانوا عليه في الدنيا وبهذا يتضح معنى هذه الآيات ويظهر ظهورا بينا.
وقد أخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد والبزار وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله (وسلام على عباده الذين اصطفى). قال: هم أصحاب محمد صلى الله عليه وآله وسلم اصطفاهم الله لنبيه، وروى مثله عن سفيان الثوري. والأولى ما قدمناه من التعميم فيدخل في ذلك أصحاب نبينا صلى الله عليه وآله وسلم دخولا أوليا. وأخرج أحمد وأبو داود والنسائي والطبراني عن رجل من بلجهم قال " قلت يا رسول الله إلى ما تدعو؟
قال: أدعو الله وحده الذي إن مسك ضر فدعوته كشفه عنك " هذا طرف من حديث طويل. وقد رواه أحمد من وجه آخر فبين اسم الصحابي فقال: حدثنا عفان، حدثنا حماد بن سلمة، حدثنا يونس، حدثنا عبيد بن عبيدة الهجيمي عن أبيه عن أبي تميمة الهجيمي عن جابر بن سليم الهجيمي. ولهذا الحديث طرق عند أبي داود والنسائي.
وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما من حديث عائشة قالت " ثلاث من تكلم بواحدة منهم فقد أعظم على الله الفرية " وقالت في اخره " ومن زعم أنه يخبر الناس بما يكون في غد فقد أعظم على الله الفرية، والله تعالى يقول (قل لا يعلم من في السماوات والأرض الغيب إلا الله) ". وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس (بل ادارك علمهم في الآخرة) قال: حين لا ينفع العلم. وأخرج أبو عبيد في فضائله وسعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عنه أنه قرأ (بل أدرك علمهم في الآخرة) قال: لم يدرك علمهم. قال أبو عبيد: يعني أنه قرأها بالاستفهام. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه أيضا (بل أدرك علمهم في الآخرة) يقول:
غاب علمهم.