الفريقين صالح، والفريق الآخر جميع قومه، وهو ضعيف (قال يا قوم لم تستعجلون بالسيئة قبل الحسنة) أي قال صالح للفريق الكافر منهم منكرا عليهم: لم تستعجلون بالسيئة قبل الحسنة؟ قال مجاهد: بالعذاب قبل الرحمة.
والمعنى: لم تؤخرون الإيمان الذي يجلب إليكم الثواب وتقدمون الكفر الذي يجلب إليكم العقوبة؟ وقد كانوا لفرط كفرهم يقولون: ائتنا يا صالح بالعذاب (لولا تستغفرون الله) هلا تستغفرون الله وتتوبون إليه من الشرك (لعلكم ترحمون) رجاء أن ترحموا أوكي ترحموا فلا تعذبوا، فإن استعجال الخير أولى من استعجال الشر، ووصف العذاب بأنه سيئة مجازا، إما لأن العقاب من لوازمه، أو لأنه يشبهه في كونه مكروها، فكان جوابهم عليه بعد هذا الإرشاد الصحيح والكلام اللين أنهم (قالوا اطيرنا بك وبمن معك) أصله تطيرنا، وقد قرئ بذلك، والتطير التشاؤم: أي تشاءمنا بك وبمن معك ممن أجابك ودخل في دينك، وذلك لأنه أصابهم قحط فتشاءموا بصالح، وقد كانت العرب أكثر الناس طيرة وأشقاهم بها وكانوا إذا أرادوا سفرا أو أمرا من الأمور نفروا طائرا من وكره فإن طار يمنة ساروا وفعلوا ما عزموا عليه، وإن طار يسرة تركوا ذلك فلما قالوا ذلك (قال) لهم صالح (طائركم عند الله) أي ليس ذلك بسبب الطير الذي تتشاءمون به، بل سبب ذلك عند الله، وهو ما يقدره عليكم والمعنى أن الشؤم الذي أصابكم هو من عند الله بسبب كفركم، وهذا كقوله تعالى - يطيروا بموسى ومن معه ألا إنما طائرهم عند الله -. ثم أوضح لهم سبب ما هم فيه بأوضح بيان، فقال (بل أنتم قوم تفتنون) أي تمتحنون وتختبرون وقيل تعذبون بذنوبكم، وقيل يفتنكم غيركم، وقيل يفتنكم الشيطان بما تقعون فيه من الطيرة أو بما لأجله تطيرون فأضرب عن ذكر الطائر إلى ما هو السبب الداعي إليه (وكان في المدينة) التي فيها صالح، وهو الحجر (تسعة رهط) أي تسعة رجال من أبناء الأشراف، والرهط اسم للجماعة، فكأنهم كانوا رؤساء يتبع كل واحد منهم جماعة. والجمع أرهط وأراهط. وهؤلاء التسعة هم أصحاب قدار عاقر الناقة، ثم وصف هؤلاء بقوله (يفسدون في الأرض ولا يصلحون) أي شأنهم وعملهم الفساد في الأرض الذي لا يخالطه صلاح، وقد اختلف في أسماء هؤلاء التسعة اختلافا كثيرا لا حاجة إلى التطويل بذكره (قالوا تقاسموا بالله) أي قال بعضهم لبعض: احلفوا بالله، هذا على أن تقاسموا فعل أمر. ويجوز أن يكون فعلا ماضيا مفسرا لقالوا: كأنه قيل ما قالوا، فقال تقاسموا، أو يكون حالا على إظمار قد: أي قالوا ذلك متقاسمين، وقرأ ابن مسعود " يفسدون في الأرض ولا يصلحون تقاسموا بالله " وليس فيها قالوا. واللام في (لنبيتنه وأهله) جواب القسم: أي لنأتينه بغتة في وقت البيات، فنقتله وأهله (ثم لنقولن لوليه) قرأ الجمهور بالنون للمتكلم في لنبيتنه وفي لنقولن، واختار هذه القراءة أبو حاتم. وقرأ حمزة والكسائي بالفوقية فيهما على خطاب بعضهم لبعضهم، واختار هذه القراءة أبو عبيد، وقرأ مجاهد وحميد بالتحتية فيهما، والمراد بولي صالح رهطه (ما شهدنا مهلك أهله) أي ما حضرنا قتلهم ولا ندري من قتله وقتل أهله، ونفيهم لشهودهم لمكان الهلاك يدل على نفي شهودهم لنفس القتل بالأولى، وقيل إن المهلك بمعنى الإهلاك وقرأ حفص والسلمي مهلك بفتح الميم واللام، وقرأ أبو بكر والمفضل بفتح الميم وكسر اللام (وإنا لصادقون) فيما قلناه.
قال الزجاج: وكان هؤلاء النفر تحالفوا أن يبيتوا صالحا وأهله ثم ينكروا عند أوليائه أنهم ما فعلوا ذلك ولا رأوه وكان هذا مكرا منهم، ولهذا قال الله سبحانه (ومكروا مكرا) أي بهذه المحالفة (ومكرنا مكرا) جازيناهم بفعلهم فأهلكناهم (وهم لا يشعرون) بمكر الله بهم (فانظر كيف كان عاقبة مكرهم) أي انظر ما انتهى إليه أمرهم الذي بنوه على المكر وما أصابهم بسببه (أنا دمرناهم وقومهم أجمعين) قرأ الجمهور بكسر همزة أنا، وقرأ حمزة