والقراءة بالتشديد خبر يتبع بعضه بعضا لا انقطاع في وسطه، وكذا قال النحاس، وعلى هذه القراءة تكون جملة ألا يسجدوا معترضة من كلام الهدهد، أو من كلام سليمان، أو من كلام الله سبحانه. وفي قراءة عبد الله بن " مسعود " هل لا تسجدوا " بالفوقية، وفي قراءة أبي (ألا تسجدوا) بالفوقية أيضا (الذي يخرج الخبء في السماوات والأرض) أي يظهر ما هو مخبوء ومخفي فيهما، يقال: خبأت الشئ أخبؤه خبأ، والخب ء ما خبأته. قال الزجاج: جاء في التفسير أن الخب ء ها هنا بمعنى القطر من السماء والنبات من الأرض. وقيل خب ء الأرض كنوزها ونباتها. وقال قتادة: الخب ء السر. قال النحاس: أي ما غاب في السماوات والأرض. وقرأ أبي وعيسى بن عمر " الخب " بفتح الباء من غير همز تخفيفا، وقرأ عبد الله وعكرمة ومالك بن دينار " الخبا " بالألف قال أبو حاتم: وهذا لا يجوز في العربية. ورد عليه بأن سيبويه حكى عن العرب أن الألف تبدل من الهمزة إذا كان قبلها ساكن. وفي قراءة عبد الله " يخرج الخب من السماوات والأرض ". قال الفراء: ومن وفي يتعاقبان، والموصول يجوز أن يكون في محل جر نعتا لله سبحانه، أو بدلا منه، أو بيانا له، ويجوز أن يكون في محل نصب على المدح، ويجوز أن يكون في محل رفع على أنه خبر مبتدأ محذوف، وجملة (ويعلم ما تخفون وما تعلنون) معطوفة على يخرج، قرأ الجمهور بالتحتية في الفعلين، وقرأ الجحدري وعيسى بن عمر وحفص والكسائي بالفوقية للخطاب، أما القراءة الأولى فلكون الضمائر المتقدمة ضمائر غيبة، وأما القراءة الثانية فلكون قراءة الزهري والكسائي فيها الأمر بالسجود والخطاب لهم بذلك، فهذا عندهم من تمام ذلك الخطاب. والمعنى: أن الله سبحانه يخرج ما في هذا العالم الإنساني من الخفاء بعلمه له كما يخرج ما خفي في السماوات والأرض، ثم بعد ما وصف الرب سبحانه بما تقدم مما يدل على عظيم قدرته وجليل سلطانه ووجوب توحيده وتخصيصه بالعبادة قال (الله لا إله إلا هو رب العرش العظيم) قرأ الجمهور العظيم بالجر نعتا للعرش، وقرأ ابن محيصن بالرفع نعتا للرب، وخص العرش بالذكر لأنه أعظم المخلوقات كما ثبت ذلك في المرفوع إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
وقد أخرج ابن أبي حاتم عن عمر بن عبد العزيز أنه كتب إن الله لم ينعم على عبد نعمة فحمد الله عليها إلا كان حمده أفضل من نعمته لو كنت لا تعرف ذلك إلا في كتاب الله المنزل. قال الله عز وجل (ولقد آتينا داود وسليمان علما وقالا الحمد لله الذي فضلنا على كثير من عباده المؤمنين) وأي نعمة أفضل مما أعطى داود وسليمان.
أقول: ليس في الآية ما يدل على ما فهمه رحمه الله، والذي تدل عليه أنهما حمدا الله سبحانه على ما فضلهما به من النعم، فمن أين تدل على أن حمده أفضل من نعمته. وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله (وورث سليمان داود) قال: ورثه نبوته وملكه وعلمه. وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد في الزهد وابن أبي حاتم عن أبي الصديق الناجي قال " خرج سليمان بن داود يستسقي بالناس، فمر على نملة مستلقية على قفاها رافعة قوائمها إلى السماء وهي تقول: اللهم إنا خلق من خلقك ليس بنا غنى عن رزقك، فإما أن تسقينا وإما أن تهلكنا، فقال سليمان للناس: ارجعوا فقد سقيتم بدعوة غيركم ". وأخرج الحاكم في المستدرك عن جعفر بن محمد قال: أعطي سليمان ملك مشارق الأرض ومغاربها، فملك سليمان سبعمائة سنة وستة أشهر، ملك أهل الدنيا كلهم من الجن والإنس والدواب والطير والسباع، وأعطى كل شئ، ومنطق كل شئ، وفي زمانه صنعت الصنائع المعجبة، حتى إذا أراد الله أن يقبضه إليه أوحى إليه أن يستودع علم الله وحكمته أخاه، وولد داود كانوا أربعمائة وثمانين رجلا أنبياء بلا رسالة. قال الذهبي: هذا باطل، وقد رويت قصص في عظم ملك سليمان لا تطيب النفس بذكر شئ منها، فالإمساك عن ذكرها أولى. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله