يشجب بن يعرب بن قحطان بن هود، ولكن المراد هنا أن الهدهد جاء إلى سليمان بخبر ما عاينه في مدينة سبأ مما وصفه، وسيأتي في آخر هذا البحث من المأثور ما يوضح هذا ويؤيده، ومعنى الآية: أن الهدهد جاء سليمان من هذه المدينة بخبر يقين، والنبأ هو الخبر الخطير الشأن، فلما قال الهدهد لسليمان ما قال، قال له سليمان: وما ذاك؟
فقال (إني وجدت امرأة تملكهم) وهي بلقيس بنت شرحبيل، وجدها الهدهد تملك أهل سبأ، والجملة هذه كالبيان، والتفسير للجملة التي قبلها: أي ذلك النبأ اليقين هو كون هذه المرأة تملك هؤلاء (وأوتيت من كل شئ) فيه مبالغة، والمراد أنها أوتيت من كل شئ من الأشياء التي تحتاجها، وقيل المعنى: أوتيت من كل شئ في زمانها شيئا، فحذف شيئا لأن الكلام قد دل عليه (ولها عرش عظيم) أي سرير عظيم، ووصفه بالعظم لأنه كما قيل كان من ذهب طوله ثمانون ذراعا وعرضه أربعون ذراعا وارتفاعه في السماء ثلاثون ذراعا مكلل بالدر والياقوت الأحمر والزبرجد الأخضر. وقيل المراد بالعرش هنا الملك، والأول أولى لقوله: " أيكم يأتيني بعرشها " قال ابن عطية: واللازم من الآية أنها امرأة ملكة على مدائن اليمن ذات ملك عظيم وسرير عظيم، وكانت كافرة من قوم كفار (وجدتها وقومها يسجدون للشمس من دون الله) أي يعبدونها متجاوزين عبادة الله سبحانه، قيل كانوا مجوسا، وقيل زنادقة (وزين لهم الشيطان أعمالهم) التي يعملونها، وهي عبادة الشمس وسائر أعمال الكفر (فصدهم عن السبيل) أي صدهم الشيطان بسبب ذلك التزيين عن الطريق الواضح، وهو الإيمان بالله وتوحيده (فهم لا يهتدون) إلى ذلك (ألا يسجدوا) قرأ الجمهور بتشديد " ألا ". قال ابن الأنباري: الوقف على فهم لا يهتدون غير تام عند من شدد ألا، لأن المعنى: وزين لهم الشيطان ألا يسجدوا. قال النحاس: هي أن دخلت عليها لا، وهي في موضع نصب. قال الأخفش: أي زين لهم أن لا يسجدوا لله بمعنى لئلا يسجدوا لله. وقال الكسائي: هي في موضع نصب بصدهم: أي فصدهم ألا يسجدوا بمعنى لئلا يسجدوا، فهو على الوجهين مفعول له. وقال اليزيدي: إنه بدل من أعمالهم في موضع نصب. وقال أبو عمرو: في موضع خفض على البدل من السبيل. وقيل العامل فيها لا يهتدون: أي فهم لا يهتدون أن يسجدوا لله، وتكون لا على هذا زائدة كقوله - ما منعك أن لا تسجد - وعلى قراءة الجمهور ليس هذه الآية موضع سجدة، لأن ذلك إخبار عنهم بترك السجود:
إما بالتزيين أو بالصد، أو بمنع الاهتداء، وقد رجح كونه علة للصد الزجاج، ورجح الفراء كونه علة لزين، قال: زين لهم أعمالهم لئلا يسجدوا، ثم حذفت اللام. وقرأ الزهري والكسائي بتخفيف " ألا ". قال الكسائي:
ما كنت أسمع الأشياخ يقرأونها إلا بالتخفيف على نية الأمر، فتكون " ألا " على هذه القراءة حرف تنبيه واستفتاح وما بعدها حرف نداء، واسجدوا فعل أمر، وكان حق الخط على هذه القراءة أن يكون هكذا ألا يا اسجدوا، ولكن الصحابة رضي الله عنهم أسقطوا الألف من يا وهمزة الوصل من اسجدوا خطأ ووصلوا الياء بسين اسجدوا، فصارت صورة الخط ألا يسجدوا، والمنادي محذوف، وتقديره: ألا يا هؤلاء اسجدوا، وقد حذفت العرب المنادي كثيرا في كلامها، ومنه قول الشاعر:
ألا يا أسلمي يا دار مي على البلى * ولا زال منهلا بجرعائك القطر وقول الآخر: ألا يا أسلمي ثم أسلمي ثمت أسلمي * ثلاث تحيات وإن لم تكلم وقول الآخر أيضا: * ألا يا أسلمي يا هند هند بني بكر * وهو كثير في أشعارهم. قال الزجاج:
وقراءة التخفيف تقتضي وجوب السجود دون قراءة التشديد، واختار أبو حاتم وأبو عبيد قراءة التشديد. قال الزجاج: ولقراءة التخفيف وجه حسن إلا أن فيها انقطاع الخبر عن أمر سبأ ثم الرجوع بعد ذلك إلى ذكرهم.